تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[19 - 12 - 10, 04:46 م]ـ

يقول الدكتور محمد عمارة: "نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وفي تقديس حقوقه إلى الحد الذي تجاوز بها مرتبة "الحقوق" عندما اعتبرها "ضرورات" ومن ثم أدخلها في إطار "الواجبات" ... هي في نظر الإسلام ليست فقط حقوقاً للإنسان من حقه أن يطلبها ويسعى في سبيلها، ويتمسك بالحصول عليها، ويحرم صده عن طلبها، وإنما هي "ضرورات واجبة" لهذا الإنسان، بل إنها واجبات عليه أيضاً. إنها ليست مجرد حقوق من حق الفرد أو الجماعة أن يتنازل عنها أو عن بعضها، وإنها هي ضرورات إنسانية ـ فردية كانت أو اجتماعية ـ ولا سبيل إلى حياة الإنسان بدونها، حياة تستحق معنى الحياة، ومن ثم فإن الحفاظ عليها ليس مجرد حق للإنسان، بل واجب عليه أيضاً، يأثم هو ذاته ـ فرداً أو جماعة ـ إذا هو فرط فيه، وذلك فضلاً عن الإثم الذي يلحق كل من يحول بين الإنسان وبين تحقيق هذه الضرورات، إنها ضرورات لابد من وجودها ومن تمتع الإنسان بها، وممارسته لها، كي يتحقق له المعنى الحقيقي للحياة، وإذا كان العدوان على الحياة من صاحبها بالانتحار أو من الآخرين بالقتل جريمة كاملة ومؤثمة، فكذلك العدوان على أي من الضرورات اللازمة لتحقيق جوهر هذه الحياة، بل إن الإسلام ليبلغ في تقديس هذه "الضرورات الإنسانية الواجبة" إلى الحد الذي يراها الأساس الذي يستحيل قيام الدين بدون توفرها للإنسان، فعليها يتوقف الإيمان، ومن ثم التدين بالدين" (13)

وهاهو الإمام الغزالي في القرن الخامس الهجري يؤكد هذه الحقيقة فيقول: "إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، فنظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن، وبقاء الحياة، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميعَ أوقاته مستغرقاً بحراسة نفسه من سيوف الظلمة، وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل وهما وسيلتاه إلى الدار الآخرة؟ فإذن: إن نظام الدنيا، أعني مقادير الحاجة شرط لنظام الدين" (14)

إن حقوق الإنسان في الإسلام مصدرها الوحي المعصوم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما مصدر حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية فهو الفكر البشري، والبشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور والإحاطة بالأشياء، وقد أحاط الله بكل شيء علماً.

ولهذا فإن حقوق الإنسان في الإسلام حقوق أصيلة أبدية لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً، إنها حقوق ملزمة شرعها الخالق سبحانه وتعالى، فليس من حق بشر كائناً من كان أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أياً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها.

أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأمثاله فهو ليس إلا مجرد تصريح صادر عن الأمم المتحدة، لا يملك واضعوه إلزام العالم به، كما أنهم مختلفون في بعض بنوده ومدى مشروعيتها، فضلاً عن كونها حقاً إنسانياً يجب التزامه وإلزام العالم به، فحقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية، أما في الإسلام فحقوق الإنسان عبارة عن فريضة تتمتع ببعد ديني ورقابة ذاتية، وبضمانات ومؤيدات تشريعية وجزائية، وليست مجرد توصيات أو أحكام أدبية، فللسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة، خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية التي تعتبرها حقاً شخصياً لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.

وبالرجوع إلى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م نجده لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان وبخاصة ما يكون من هذه الوسائل والضمانات على المستوى العالمي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير