تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما تضمن الإعلان تحذيراً من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة، وتضمنت أيضاً تشكيل لجنة لحقوق الإنسان تقوم بدراسة تقارير الدول الأطراف عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة، كما تتسلم التبليغات المقدمة من إحدى الدول الأطراف ضد أخرى بشأن أدائها لأحد التزاماتها المقررة بمقتضى الاتفاقية وذلك بشروط معينة.

وبالنظر إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان نجدها ترتكز على أمرين:

1 - محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً.

2 - محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان.

إن كل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات التي يتلاعب بها واضعوها حسبما تمليه عليهم أهواؤهم الشخصية، ومصالحهم الذاتية والوطنية والإقليمية. أما الإسلام فقد اعتمد في حفظ حقوق الإنسان على أمرين أساسين، وهما:

1ـ ربطها بالوازع الديني والتربية الإيمانية من خلال التأكيد على أن هذه الحقوق والمصالح الإنسانية ضرورات دينية وواجبات شرعية، وأنها من الأعمال الصالحة التي يثاب فاعلها امتثالاً لأمر ربه، ويستحق العقاب تاركها أو المفرط فيها والمنتهك لحرمتها.

2ـ إلزام الناس بها قضاء، وتقرير العقوبات الشرعية البليغة في حق منتهكيها والمفرطين في رعايتها والمحافظة عليها.

ثالثاً: أن الشريعة الإسلامية إنما جاءت لحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت جميع الرسالات السماوية والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال (15)، ويلتحق بهذه الضروريات كل ما يكملها ويخدمها مما به توسعة على الناس، ورفع للحرج عنهم، وهي ما يسمى بالحاجيات، أو كان به تجميل لهم وتزيين لحياتهم وتهذيب لأخلاقهم، بحيث تكون حياة ناعمة نظيفة كريمة، وهي ما يسمى بالتحسينيات. وهذه المصالح الضرورية وما يلتحق بها من المصالح الحاجية والتحسينية، تمثل مقاصد الشريعة الإسلامية، التي جاءت بكل تكاليفها وأحكامها لتحقيقها وحفظها.

وسميت الضروريات بهذا الاسم، لأنها مضطر إليها في قيام مصالح العباد في المعاش والمعاد، فحاجة العباد إليها بلغت حد الضرورة، فلا يمكن للأمة بعامة ولا لفرد من أفرادها، الاستغناء عنها، في أي وقت من الأوقات، إذ لو تخلفت كلها أو بعضها، لاختل نظام الحياة، وعمت الفوضى، وحل الفساد، وسيطر الخوف، وتهتكت أروقة الأمن والاستقرار، ولَحِق الناس من الشقاء والضرر في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، بقدر ما تخلف منها. قال الإمام الشاطبي: "فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى، فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين" (16)

ومن تأمل العهود والصكوك الدولية والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، بل وجميع الأنظمة والقوانين التشريعية وجد أنها لا تخرج عن حفظ هذه الضروريات الخمس وما يخدمها ويكملها من الحاجيات والتحسينيات، وهي التي عليها مدار الشريعة بجميع أحكامها وتشريعاتها، بل الملاحظ أن كل هذه النظريات والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان لا تبلغ مبلغ الشريعة أو تدانيها في التأكيد على هذه الحقوق ووضع التشريعات والأحكام اللازمة لحفظها من جانب إيجادها وإقامتها، وجانب حفظها وحمايتها بعد وجودها، وهو ما يعبر عنه الأصوليون بحفظها من جانب الوجود والعدم، أي: بجلب النفع وتحقيقه، ودفع الضرر وإزالته، فالشريعة حفظتها من جانب الوجود بتشريع ما يوجدها ويقيمها ويكملها ويقويها، وحفظتها من جانب العدم بتشريع ما يكفل بقاءها واستمرارها، ويدرأ عنها ما يفوتها أو يخل بها، ويحميها من أي اعتداء واقع أو متوقع عليها. قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "والحفظ لها يكون بأمرين، أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم" (17)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير