تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيهًا في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذئ، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق، واسع الحلم، مجاملاً لكل أحد، صبورًا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالاً لأمر الله، ورجاء لثوابه" (31)

وقال القرطبي: "وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا، مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يَرضى مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون:} فقولا له قولا لينا {[طه:44]، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.

وقال طلحة بن عمر: "قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذووا أهواء مختلفة، وأنا رجل فيّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ. فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى:} وقولوا للناس حسنا {[البقرة 83]، فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي؟ " (32).

ويدخل في هذا الباب صور لا تحصى من البر والإحسان وحسن الخلق، ومن ذلك:

ـ إعانة محتاجهم وسد خلاتهم.

ـ تحيتهم ولين الجانب معهم.

ـ تهنئتهم بمناسباتهم غير الدينية كزواج وولادة، ونجاح في دراسة، وكسب في تجارة، وقدوم غائب، وسلامة من حادث أو مرض، أو نحوها.

ـ إجابة دعوتهم والأكل معهم.

ـ عيادة مريضهم، وتفقد أحوالهم.

ـ إهداؤهم وقبول هداياهم.

ومن أروع الصور التي جسدها تعامل المسلمين مع أهل الذمة؛ "أن عمر رضي الله عنه مر بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت، فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ عمر بيده، وذهب إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فولله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه". (33)

وقد ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطأة والي البصرة: "وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه" (34).

ثانياً: حقهم في الحرية الدينية.

وهذا يشمل ثلاثة أمور:

أ ـ عدم إكراههم على الإسلام.} لا إكراه في الدين {،} ولو شاء ربك لآمن من في الأرض ... {،} وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر {،} وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرض أَوْ سُلَّماً فِي السمآء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين {.

قال الشيخ محمد الغزالي: "إن الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لأهل الأرض لم يعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام"

وأما ما جاء في الكتاب والسنة من تحريم الردة وقتل المرتد فإن هذا ليس إكراها على الإسلام، بل قطعاً للطريق على المتلاعبين الذين يريدون محادة الله ورسوله ومناكفة المسلمين وتشويه صورة الإسلام وتنفير الناس منه، كما قال الله تعالى اليهود:} وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون {.

والعلماء يعتبرون قتل المرتد نتيجة خيانته للملة الإسلامية التي انخرط في عداد أفرادها باختياره، ثم غدرها وتنكر لها، فلو ستر كفره لم يتعرض له أحد ولم ينقب عما في قلبه، بل يبقى حاله كحال المنافقين الذين قال فيهم الله:} وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى? شَيَـ?طِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ {[البقرة:14].

يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن الإسلام واجه أناساً يدخلون فيه خداعاً ويخرجون منه ضراراً، فهل ينتظرون من دين هو بطبيعته عقيدة قلبية وشريعة اجتماعية أن يقابل هذه المسالك ببلادة؟! كلا، لقد أباح لليهود والنصارى أن يعيشوا إلى جواره في مجتمع واحد، لهم فيه ما للمسلمين وعليهم فيه ما على المسلمين، فلماذا يترك هؤلاء أو أولئك دينهم ويدخلون في الإسلام ثم يخرجون منه؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير