ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[19 - 12 - 10, 04:49 م]ـ
ومن أهم هذه الحقوق التي أكد عليها الإسلام:
أولاً: حقهم في البر بهم والإحسان إليهم وحسن التعامل معهم.
قال الله تعالى:} واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم {[النساء: 36]، فأوصى بعبادته، وبالإحسان إلى خلقه من الوالدين والقرابة والجيران والأصحاب والضعفاء والمساكين. والآية عامة في جميع المذكورين، من المسلمين والكافرين، والصالحين والفاسقين، والقريبين والبعيدين. فكلهم يجب العدل في معاملتهم، والإحسان إليهم، وإن كان حق المسلم أعظم من حق الكافر، وحق القريب آكد من حق البعيد، فكل يجب له من البر والإحسان بحسب قربه ومنزلته، وعلى قدر حاجته وما يناسبه.
وعلى هذا تواطأت رسالات السماء، وأوصت به جميع الأنبياء، قال الله تعالى:} وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون {[البقرة 83]. أي: أخذ الميثاق عليهم على ألسنة أنبيائهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يحسنوا إلى الوالدين والأرحام واليتامى والمساكين، بكل قول وفعل جميل، ثم أمر بالإحسان إلى الناس عمومًا، فقال:} وقولوا للناس حسنا {[البقرة 83]، أي: قولاً حسنًا، لطيفًا رفيقًا، طيبًا مفيدًا. وهذا عام في القريب والبعيد، والبر والفاجر، والمسلم والكافر، إلا أن يكون محاربًا، قال الله ـ تعالى ـ:} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين {[الممتحنة 8].
وقد حذف المعمول في قوله [أن تبروهم] ليشمل كل أنواع البر والإحسان، بالقول والفعل. وإذا كنا مأمورين بالإحسان في معاملة الكفار، والبر بهم قولاً وفعلاً، تأليفًا لقلوبهم، وترغيبًا لهم في الإسلام، فكيف بالمسلمين الحنفاء؟!!.
فالقول الحسن يؤنس النفوس، ويفتح مغاليق القلوب، ويعين على قبول الحق والانقياد له، ويورث المحبة والتقدير لصاحبه، وهو يدل على سمو نفسه، وحسن خلقه، وعفة لسانه. وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" (27).
وفي الصحيحين (28) عن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: "دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ" وفي رواية لأحمد وابن خزيمة (29): "فنظر إليَّ، فقال: مَهْ؟ إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. قالوا قولاً فرددناه عليهم، فلم يضرنا شئ، ولزمهم إلى يوم القيامة".
فالحلم والأناة، والتلطف والترفق، والبشاشة وطلاقة الوجه، ولين الجانب وحسن المعاملة، والصبر واحتمال الأذى، من أبرز الصفات التي تجمع لصاحبها خيري الدنيا والآخرة، وهي مع عظيم نفعها، وجميل عائدتها، وحسن عاقبتها، لا تكلف صاحبها شيئًا يذكر. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاس بِأَمْوَالِكُمْ, وَلَكِنْ يَسَعهُمْ مِنْكُمْ بَسْط الْوَجْه وَحُسْن الْخُلُق" (30)
قال السعدي في تفسير قوله تعالى:} وقولوا للناس حسنا {[البقرة 83]: "ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس، حتى للكفار، ولهذا قال الله تعالى:} ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن {[العنكبوت 46].
¥