في يوم خالد كريم، وفي ليلة مباركة هي ليلة القدر، أشرقت الأرض بنور ربها واصطف الملأ الأعلى وازينت السماء ونادى المنادي: هذا يوم البشرى.
ثم هبط جبريل عليه السلام بالأمر المبين الى الرسول الكريم. فقال له: اقرأ. قال النبي: ما انا بقارىء. فأخذه سيدنا جبريل وضمه بقوة ثم أطلقه، وكرر الأمر ثانية. في المرة الثالثة: قال النبي ماذا أقرأ؟ فطلب منه سيدنا جبريل قراءة: " اقرأ بإسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ".
بعد هذه البشرى وبعد هذا اللقاء العظيم، عاد النبي الكريم الى الصدر الحنون والقلب الكبير، والنفس المواسية. عاد الى خديجة مرتعبا يحدثها بما رأى وسمع. فهدأته سيدتنا خديجة. وقالت له: أنه أُريد بك الخير العظيم. ومدحته بالحق فقالت إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكرم الضيف، وتعين على النوائب. ثم بعد أن هدأت نفسه، أخذته الى ابن عمها ورقة بن نوفل. فقال ورقة: " قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لقد جاءك الناموس الأعظم الذي كان يأتي موسى، وليتني أكون حيا إذ يُخرجوك قومك. وبالفعل عاداه قومه وعذبوه.
كانت خديجة أول من آمن بالدين الحنيف. لم يسبقها رجل أو امرأة. كان النبي الكريم لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عز وجل عنه بخديجة. اذا رجع اليه تثبته، وتخفف عنه وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس.
علي بن أبي طالب هو ابن عم الرسول الكريم. كان ثاني من أسلم بعد خديجة. فقد آمن في سن الصبا قبل أن يبلغ الحلم. فشب معه الإيمان حتى خالط مشاعره وملأ قلبه، وأفعم بالنور روحه. وكانت العناية الإلهية قد ساقته الى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة الطاهرة.
وآمن أيضا زيد ابن حارثة الذي فضل البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على العودة مع أبيه وعمه الى دار الكفر.
ولا يجب أن ننسى بنات الرسول الكريم، أسبق السابقات الى الإسلام، فصدقوا برسالة أبيهن سيد الخلق، الذي كان أبا قبل أن يكون رسولا.
الله عز وجل فرض الصلاة على سيدنا محمد أول ما بدأ الوحي. فعلمه سيدنا جبريل كيف يتطهر للصلاة. فعلم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بدوره زوجته ذلك. فكانت أسبق السابقات الى الصلاة.
ومكث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يدعو الى الله عز وجل سرا 3 أعوام. حتى أمره الله أن يجهر بدعوته. فنزلت الآية الكريمة: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ".
في هذه المرحلة، بدأ الصراع العنيف الحاد من قبل قريش لدعوة الحق. وامتدت يد قريش الى تجارة خديجة تنال منها. فتصادر الموارد، وتقطع السبل، وتحرض الأتباع، وترشو المساهمين. فكانت رضي الله عنها تتقبل كل ذلك راضية مرضية.
ولقد أمعن أبو لهب مع زوجته أم جميل حمالة الحطب، في إيذاء النبي الكريم. فأمر ولديه عتبة وعتيبة أن يُطلقا ابنتي رسول الله رقية وأم كلثوم نكاية ليُحزنوه فتخف دعوته الى الدين الحنيف. وسرعان ما تزوج عثمان بن عفان، الرجل الذي كانت تستحي منه الملائكة، من رقية. فأبدلها الله عز وجل خير من زوجها الأول. فلا ننسى عند المصيبة أن نقول: " اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها ".
ويأتي جزاء سيدتنا خديجة، الزوجة الوفية، المؤمنة الصابرة، والمسلمة المجاهدة. فقال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مبشرا لها: " الله يقرؤك السلام على لسان جبريل ويبشرك ببيت في الجنة من قصب ذهب لا نصب فيه ولا صخب ". فقالت خديجة رضي الله عنها: هو السلام، ومنه السلام، وعليك السلام يا جبريل.
أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة الى الحبشة، فرارا من أذى قريش وظلمها. فودعت خديجة ابنتها رقية المهاجرة مع زوجها عثمان، وقلبها يتفطر فراقا لفلذة كبدها.
اشتد الضغط على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقرر كفار قريش قتل الرسول الكريم لتحطيم الدعوة وقتلها في مكة، قبل أن تعم الأرض.
¥