وكان فرعون مستهاماً بحبها، طيعاً لها، برغم أنه لم يرزق منها الولد .. وفي إحدى الليالي رأي فرعون مناماً هاله وأقض مضجعه، فأحضر الكهنة والمفسرين من أرباب دولته، وقص عليهم رؤياه فحذروه من مولود يولد في ذاك العام يكون سبباً لخراب ملكه؛ فأمر بقتل كل غلام يولد في هذا العام من بني إسرائيل.
كان في قصر فرعون بستان به نهر كبير، فخرجت الجواري إليه ليغتسلن فيه، فوجدن تابوتاً فأخذنه وظنن أن فيه مالاً فحملنه على حالته حتى أدخلنه إلى آسية، فلما فتحته رأت فيه غلاماً، فألقى الله محبته في قلبها، فرحمته وتعلقت به.
ومما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية":
أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه فلم يتجاسرن على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية، فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بالأنوار النبوية فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً.
ولما علم المأمورين بالقتل بأن في قصر الملك غلاماً استأذنوه بأن يدخلوا قصره ويقتلوه، فاستوهبته السيدة المؤمنة منه ودافعت عنه وقالت: {قرة عين لي ولك}.
ثم تمر السنون ويكبر هذا الطفل الصغير ويأتي يوم ويضعه فرعون في حجره يلاعبه ويقوم موسى بجذب لحية فرعون بقوة فيشتاط غضبا ويأمر بقتل موسى، فتسرع آسية وتذكره بأنه طفل صغير، وتقترح عليه بعمل اختبار صغير لاختبار فهمه وعقله فيضع أمام موسى الجمر والتمر، فامتدت يدا الطفل الصغير نحو التمر، إلا أن الله تعالى يرسل جبريل فيضرب يده فتقع على الجمر ويضعها في فمه الصغير فيحترق طرف لسانه فيصبح من بعدها ألثغ والتي هي شرف له، كما لم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه وأنزل بعد ذلك التوراة عليه.
كانت آسية سبباً في نجاته (عليه السلام) من الذبح، وكان هو سبب نجاتها من الهلاك بأن هداها للإيمان ففتحت قلبها لدعوته، وأعرضت عن تهديدات فرعون وغطرسته، وناصرت موسى (عليه السلام) على عدوّ الله وعدوّه وعدوّها، فكانت مع الذين آمنوا وأسلموا بما أنزل على موسى من نبوة، فعلم فرعون بإيمانها واتباعها لعدوه موسى فسجنها وأمر بإنزال أشد أصناف التعذيب عليها لترجع عن دين موسى.
لكنها ظلت على حالتها تلك إلى أن قتل فرعون الماشطة امرأة حزقيل المؤمن بالله، وكانت آسيا تنظر من كوة في قصر فرعون تتابع في حسرة ما لحق بأختها المؤمنة، وكيف تعذب وتقتل وهى صابرة متمسكة بإيمانها بربها، فلم يفتّ هذا الإرهاب الفرعوني في عضد السيدة الصالحة فازداد إيمانها بربها وبموعوده.
وبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون وجعل يخبرها في شماتة وزهو بخبر امرأة حزقيل وما صنع بها وكيف عذبها وكيف قتلها.
فنظرت إليه في ثبات المؤمن الواثق من معية الله تعالى ولسان حالها يقول: ويل لك يا فرعون! ما أجرأك على الله تعالى!
دعا فرعون أمها وقال لها: ابنتك قد أخذها الجنون الذي آخذ الماشطة، ثم إنه أقسم لتذوقن الموت أو لتفكرن بإله موسى، فخلت بها أمها وألحت عليها في موافقة فرعون فيما أراد فأبت أن تكفر بعد إيمانها، فقد أدركت أن الدنيا مهما طال نعيمها فهي إلى زوال، فما كان منها إلا أن استعصمت بالله تعالى تستمد منه العون والثبات.
تأكد فرعون من صدقها عزمها وأنها لن تعود إليه، فأمر بها فمدت بين أربعة أوتاد، ثم ما زالت تعذب حتى ماتت ولسانها لا يفتر عن ذكر الله: (رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين).
آمنت آسيا بربها وعصت زوجها وخالفت أمها في طاعة الله عز وجل ولله سبحانه وتعالى، آمنت ولم يتورع فرعون الذي أحبها وهام بها ولم يتردد في قتلها عندما تأكد من إيمانها بالله وكفرها به، فقد وصلت وإياه إلى المفاصلة بين الحياة ونعيمها الزائل، أو الموت والعذاب في سبيل ما عرفت من الحق، فاختارت الأخرى راضية غير يائسة ولا قانطة من رحمة الله، وفي دعائها الذي نتعبد به نرتله إلى يوم القيامة خير شاهد على مدى ما كانت تتمتع من طمأنينة نفسية وأنس إلى جوار الله تعالى: (رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين).
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[27 - 02 - 2007, 10:47 ص]ـ
بارك الله فيكما، ونفع بكما.
اللهم ارض عنهن.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[27 - 02 - 2007, 11:14 ص]ـ
¥