6 - جمع ما تفرق من مسائل في أبوابها، مثل صنيع السيوطي، والمتأخرين من النحويين ...
7 - تلخيص المسهب والمكرر، وتناوله بالاختصار والإيجاز (مثل اختصار الزبيدي لكتاب العين، وتلخيص القزويني في علم البلاغة، واختصار السيرة لابن كثير وتلخيص ابن مالك للكافية الشافية ... )
وقد ختم ابن خلدون حديثه عن أصناف التواليف قائلا:" فهذه جماع المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف ومراعاتها، وما سوى ذلك ففعل غير محتاج إليه، وخطأ عن الجادة التي يتعين سلوكها في نظر العقلاء، مثل انتحال ما تقدم لغيره من التواليف بأن ينسبه إلى نفسه ببعض تلبيس من تبديل الألفاظ وتقديم المتأخر وعكسه ... أو يأتي بما لا فائدة فيه، فهذا شأن الجهل والقحة " (9)
وهذا الذي عده ابن خلدون جهلا وقحة، هو إفساد للعلم، ومضيعة للجهد والوقت والحبر والورق، وهو تخسير للكاغد على حد تعبير الإمام ابن عرفة.
إن هذا المعيار الذي رسمه ابن خلدون لمقاصد التأليف يضع الكتابة العلمية وفق ترتيب معقول، فالمبدع في العلم المستنبط له ليس كالشارح أو المستدرك أو الجامع ... ولذلك يمكن اعتماده منهجا في ترتيب الأولويات عند اختلاط الأمر، أو تراكم المادة العلمية المخطوطة، فيكون الترتيب على الشكل الآتي:
المُبدع في العلم أولا، ثم المُكمل، ثم المُصحح، ثم الشارح، ثم المُختصِر ثم الجامع للمتفرق، ثم المُرتب للمنثور، أما الناقل أو المدلس فلا مكان له في سلم الأولويات.
د- التنسيق في عملية التحقيق بين المؤسسات والأفراد:
لا شك أن تراثنا العربي بحاجة ماسة إلى قراءة معرفية تضع اليد على مواطن القوة والضعف فيه، وتنبه على المعتمد والمردود منه، وهو بحاجة ماسة كذلك إلى جهود جماعية لخدمته وإحيائه، ومع مرور ما يزيد عن قرن من الزمان على نشأة هذا الإحساس، فإن هذا الحقل مازال يعرف انعداما في التخطيط، وتلقائية في الفعل، وغيابا في الرؤية وفقدانا للمنهج العلمي الدقيق.
ومع وفرة المؤسسات القائمة على تحقيق التراث في العالم العربي والإسلامي، إلا أن التنسيق بينها يكاد يكون منعدما، كما أن عامل الزمان لديها مهدر، فقد شُرع في طبع كتاب " نهاية الأرب في فنون الأدب " للنويري منذ سنة 1910، وما تزال بعض أجزائه تنتظر الفرج، كما استغرق تحقيق " خزانة الأدب " للبغدادي ما يقارب نصف قرن من الزمان، ومازال شرح السيرافي لكتاب سيبويه على جلال قدره وسعة علمه ينتظر، ومازال شرح التذييل والتكميل لأبي حيان مع خطورته، تحقيقه لم يستقر!
إن تحديد الأولويات وترشيد عمل المحققين يبعد حركة التحقيق عن السقوط في المتاهات والتخبط بين ملايين المخطوطات التي لا تستحق - يقينا- أن يبذل فيها ما يبذل في غيرها من الجهد.
وهذا العمل يجب أن يتم بالمنهج العلمي الدقيق وبالرؤية الحضارية المطلوبة، بعيدا عن عقلية الناشرين ومصلحتهم، وبعيدا عن هوى الذين يعملون في حقل التراث ورغباتهم، ممن دفعت بهم الأقدمية والترقيات والدرجات العلمية إلى مراكز التحكم، والذين كثيرا ما يختارون المخطوطات المرشحة للتحقيق أو النشر، بناء على الاسم الرنان للكتاب أو الشهرة لصاحبه ... ضاربين صفحا عن القيمة العلمية لما ينشر غالبا (10).
إن غياب استراتيجية لمباشرة التراث تحقيقا ودراسة يعرقل عملية إخراجه للوجود، ويعرقل من ثم حركية الأمة وفكرها، كما أن الرسائل المنجزة في التحقيق لا قيمة لها ما لم تنشر، لأنها تنقل من رف إلى رف آخر، ومن مخطوط إلى مرقون!
وغياب التنسيق بين المراكز والجامعات يؤدي إلى إعادة تحقيق ما حقق مرات، في جهات مختلفة من الوطن العربي، وفي كثير من الأحيان في البلد الواحد، إن لم يكن في الجامعة أو المؤسسة الواحدة!
وما حقق وصرفت فيه الجهود مما لا يضيف جديدا للفن الذي ينسب إليه، يعد عملا في غير موضعه إن لم نقل عملا ضائعا وجهدا مبددا.
إن من القيم الحضارية المهمة التي شاعت في هذا العصر ما سمي بالعمل المؤسسي، وهو عمل جماعي منظم يشارك في إنجازه عادة المؤسسات، أو مجموعات منظمة من الأفراد، وهو بذلك من صفات المجتمع المفتوح، الذي يهيئ لتنمية قدرات الأفراد والجماعات وإمكاناتهم وتعبئتها إلى القدر الكافي، لتلبية الحاجات ومواجهة التحديات (11)
والتراث العربي بحاجة ماسة إلى الأعمال الجماعية، التي يجب أن تسري روحها بين العاملين والمهتمين بقضاياه، وحتى لا تضيع الجهود أو تتكرر لابد أن تقوم على العمل المؤسسي، فهذا العصر أصبح لا يقيم وزنا للجهود الفردية " كما أن ردود الفعل التي يبديها الناس لمواجهة المشكلات الكبرى لا تكون فاعلة ومؤثرة إلا إذا قامت على تنظيم الجهود واجتماعها، وحسن التنسيق بينها، واختيار أحسن الوساءل والمؤسسات والنظم والأساليب، ثم المضي في استعمالها وتعديلها وتقويمها لتناسب متطلبات المواقف المختلفة (12)
وفي هذا السياق كان أستاذنا الدكتور الشاهد قد اقترح على " مركز زائد للتراث والتاريخ " تنظيم مؤتمر دولي تحت مسمى (المؤتمر العالمي الأول لتنسيق حركة تحقيق المخطوطات العربية في العالم) وسطر للمؤتمر الأهداف التالية:
تنظيم حركة السير في مجال تحقيق المخطوطات العربية في العالم
الاتفاق على خطة تحقيق ونشر علمية منهجية شاملة متكاملة.
التخطيط لإنشاء المركز الجامع لصور المخطوطات العربية في العالم، والشبكة التابعة له.
البت في تأسيس: مكتب تنسيق حركة تحقيق المخطوطات العربية في العالم وما يتعلق به (13)
ومما لا شك فيه أن عملا من هذا النوع خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح، تعود بالنفع على كل الحقول المعرفية لتراثنا الإسلامي، ومنها النحو.
¥