ـ[أنا البحر]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 03:39 م]ـ
2 - أولويات في مجال الدراسة:
تحقيقُ التراث خطوةٌ أولى يجب أن تتلوها خطوات، وهو ليس هدفا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتمكين الباحثين من تصفح هذا التراث وقراءته بجميع أنواع القراءة، ودراسته ونقده واستخلاص ما يفيد الأمة في عملية البناء، وقد ظهر لي أن من أولويات البحث في تراثنا النحوي - بعد التحقيق - الدراسة، فكثير من الزوايا مازال يلفها الظلام، وما زالت في منأى عن الباحثين، لا تطأ حماها قدم، إما لوعورة مسالكها أو عسر مادتها أو لاستعجال الباحثين ... وقد رأيت أن أسجل بعض الأولويات في مجال الدراسة على الشكل الآتي:
أ - دراسة المصادر الأصلية غير المدروسة:
مازالت كثير من الدراسات النحوية تدور في فلك التجميع والترديد والاجترار منذ ما يقارب القرن من الزمان، حيث تضخم الإنجاز وكثر التأليف وانعدمت الأصالة والتمثل العلمي للتراث، مئات العناوين لا تجد فيها راحلة، في حين يمر الباحثون على مجالات بكر وهم عنها معرضون، إن كتب الحواشي و الأمالي وكتب الخلاف وكتب الطبقات وكتب المجالس والمناظرات ... حافلة بمادة نحوية غزيرة يجلي البحث فيها ضروبَ التأليف ومناهجَ التصنيف، وقد تُسعف في فهمٍ أدق لمنظومة النحو العربي.
ب - دراسة المصادر الفرعية للنحو العربي:
للنحو مصادر قلما يرتادها الباحثون، يمكن اعتبارها فرعية، كـ: كتب التفسير والقراءات والنقد الأدبي والشروح، شروح الحديث والأشعار ... هذه المؤلفات غنية بالمادة النحوية، وخطيرة في بيان ما اصطلح على تسميته بنحو النص، فهي تعالج النحو لا معالجة الجمل كما تصنع كتب القواعد، وإنما انطلاقا من تداخل الجمل وتشابكها وتلاحمها وتعقد طبقاتها وبناها، وهي تمثل المجال التطبيقي للنظرية النحوية العربية، ولذلك يعتبر البحث فيها من الأولويات في مجال الدراسة.
وفي هذا السياق يمكن للمتخصصين رصد قائمة من البحوث والقضايا - قابلة للتحديث - لم تدرس، انطلاقا من المصادر الأصلية أو الفرعية للنحو العربي، وترتيبها وإمداد الباحثين وطلبة الدراسات العليا بها.
فضلا عن العناية بالمصطلحات النحوية تكشيفا وفهرسة، ودراستها دراسة علمية باعتبارها مفاتيح العلم وثماره القصوى، والعناية بالمدارس النحوية وأسسها النظرية والمنهجية، كالمدارس العجمية على سبيل المثال (مدرسة فارس، مدرسة جرجان ... )
إن مثل هذه الدراسات من شأنها أن تجلي ملامح النظرية النحوية العربية وأسسها المنهجية، لتوظيفها في تطوير النحو وتطويعه للاستجابة للمعالجة الآلية.
ـ[أنا البحر]ــــــــ[15 - 11 - 2005, 03:40 م]ـ
3 - أولويات في مجال النقد والتقويم:
أ - نقد القدماء للنحو العربي وتقويمه:
إن عملية المراجعة والتقويم للدرس النحوي، على امتداده وخطورته زمانا وإنجازا، تقتضي عدم إغفال أي فئة ممن كتب لهم أن يدرسوا هذا العلم، كما تقتضي استحضار كل ما قيل في هذا العلم نقدا وتوجيها وإطراء، باعتبار أن المراجعة مطلب حضاري، وشرط من شروط أي نهضة، ودليل حياة وحركة بالنسبة للأمم والمجتمعات، وأولوية من أولويات الدرس.
لقد أدرك علماؤنا قديما ما تضمنه النحو من صعوبات فقد أدركوا أن بعض مصادره كانت تعاني من الاضطراب في تتالي الأبواب، و في توزيع جزئيات الباب الواحد، فضلا عن الغموض في العناوين، مع غياب الدقة في المصطلحات، وصعوبة الاهتداء إلى المسائل، وعدم التطابق بين العنوان وما تحته، ويمثل كتاب سيبويه خير نموذج لهذه الأحكام، مع أنه يمثل أكمل وأنضج محاولة في التأليف النحوي قديما وحديثا! (14)
فقد روى أبو العباس المبرد عن المازني أنه قال:" قرأ عليَّ رجلٌ كتاب سيبويه في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا (15)
ولهذا انبرى الخلق لشرح هذا الكتاب والتعليق عليه وشرح عيونه وغريبه ونكته والاستدراك على ما فاته من الأبنية ...
كما تعاني معظم كتب النحو من الطول المفرط الناشئ عن التكرار والاستطراد والحشو ومعالجة المسائل الأجنبية التي لا صلة لها بالنحو، فضلا عن الشغف بالمناقشات والجدل والإغراق في تتبع العلل والإكثار من التقسيمات والتفريعات (16)
¥