تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن نماذج ذلك على سبيل المثال، أن الأشموني أوصل معمول الصفة المشبهة إلى 72 صورة، منها جائز وممتنع، ولكن الصبان أبى إلا أن يبزّ الأشموني في عدد الأقسام، فأوصلها مع تحري الدقة والأمانة إلى 14256 صورة (17)

لم تغب هذه الصعوبات ومثيلاتها عن إدراك القدامى أنفسهم، فقد استجابوا تلقائيا لدعوة التيسير على مر القرون - على المستويين النظري والتطبيقي- فكانوا يؤلفون المؤلفات الضخمة للمتخصصين، ويؤلفون للناشئة متونا ومختصرات مهذبة.

فقد ألف خلف الأحمر " مقدمة في النحو " قال في بدايته:" لما رأيت النحويين وأصحاب العربية قد استعملوا التطويل وأكثروا العلل ... أمعنت النظر في كتاب أؤلفه وأجمع فيه الأصول والأدوات والعوامل على أصول المبتدئين، ليستغني به المبتدئ عن التطويل (18)

وتطالعنا في كتب التراجم والفهارس عناوين كثيرة تدل على أن القدماء كانوا يدركون بعض مصادر الصعوبة في تعلم النحو، وأن تيسير النحو للناشئة أمر لا مناص منه!

فقد ألف الكسائي مختصرا في النحو، وألف ابن خياط الموجز في النحو، وألف ابن النحاس التفاحة، وتذكر المصادر لابن جني: اللمع، ولابن قتيبة: تلقين المتعلم، ولابن خالويه: المبتدئ، ولابن درستويه: الإرشاد في النحو، وللمفضل ابن سلمة: المدخل إلى النحو، وللزبيدي: الواضح في النحو، وللمطرِّزي: المصباح، وللشلوبين: التوطئة ولأبي الفرج الصقلي: مقدمة في النحو ...

وهي مؤلفات يظهر من عناوينها رغبة مؤلفيها في التيسير والإيضاح والإرشاد، كما يطغى عليها الجانب التعليمي!

هذا على المستوى التطبيقي، أما على المستوى النظري، فقد وجدت أيضا حركة إصلاح يمكن تلمس خيوطها عند نحاة كبار من أمثال ابن حزم، وابن مضاء، وابن رشد، وابن الأثير، وابن خلدون ...

فقد كان ابن حزم يرى أن التعمق في النحو فضول لا منفعة فيه، بل مشغلة عن الأوكد، ومقطعة عن الأوجب (19)

وألف ابن مضاء كتابه " الرد على النحاة " الذي قال في مقدمته:" قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه " وانتقد نظرية العامل ووصفها بأنها باطل عقلا وشرعا ولا يقول بها أحد من العقلاء (20)

كما ألف ابن رشد " الضروري في صناعة النحو " وجعل غرضه من الكتاب أن يذكر" من علم النحو ما هو كالضروري لمن أراد أن يتكلم على عادة العرب في كلامهم، ويتحرى في ذلك ما هو أقربُ إلى الأمر الصناعي، وأسهل تعليما، وأشد تحصيلا للمعاني (21) وقد أشار في كتابه إلى التداخل بين الموضوعات والمستويات في كتب النحو العربي، وهو تقصير يَرجع سببه - كما يرى - إلى أن النحاة " لم يستعملوا في إحصاء أنواع الإعراب القسمة الصحيحة التي لا يعرض فيها تداخل ... (22)

كما ذهب ابن الأثير إلى أن واضع النحو جعل الوضع عاما " فإذا نظرنا إلى أقسامه المدونة وجدنا أكثرها غيرَ محتاج إليه في إفهام المعاني (23)

وكان الجاحظ قبل هؤلاء، يوصي المعلم بأن يترفق بالصبيان في تعليم النحو، يقول: " أما النحو فلا تشغل قلب الصبي منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن ... وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به ... " إلى أن قال:" وعويص النحو لا يجري في المعاملات ولا َيضطر إليه شيء (24)

والجدير بالذكر هنا، أن علماء النحو القدماء - رغم ما ذكر - لم يدركوا من هذه الصعوبات إلا القليل، لقربهم من عصور السلامة، وقدرتهم على تحصيل الملكة " وحتى تلك العيوب المحدودة لم تنل منهم اهتماما كافيا، فقد عالجوها فرادى، من غير أن يعرض لها إمام بالتجميع والحصر ووصف العلاج ... على كثرة الأئمة الباحثين، وفيض الكتب والرسائل التي تتصدى للنحو وقضاياه (25)

ب - نقد المحدثين للنحو العربي وتقويمه:

لم يتعرض أي من جوانب اللغة العربية للنقد والاتهام كما تعرض النحو العربي فقد هوجم علماؤه، وسفهت قواعده، ووصمت كتبه بأقبح الصفات!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير