* استخدام الحاسوب في إقامة النماذج النحوية للإسراع في عملية التحديث النحوي.
*إدخال مناهج اللسانيات الرياضية والحاسوبية والإحصائية في أقسام اللغة العربية بالجامعات والمعاهد العربية (43)
إن هذا الاتجاه يمثل أولوية من أولويات البحث في نحونا العربي، ويجب أن نميز هنا بين النحو التعليمي الذي نُدرّسه، وبين مجالات البحث العلمي التي تمكن من المشاركة في التطور العام للتصورات اللغوية، مما يتيح الاستفادة منها في إصلاح أحوالنا اللغوية.
ب - الاستفادة من النظريات المعاصرة في طرق التدريس:
كثير من الذين انتقدوا النحو العربي، ربطوا تخلفنا اللغوي بطرق تدريس النحو وتركيزها على الشاهد الذي لا أثر له في الواقع الاستعمالي، أو الشعر الذي ينفرد بلغته الخاصة، أو الجزئيات والتفريعات التي لا تخدم العلم ولا تراعي مستوى المتعلم، وحمَّلوا مُدرس النحو بعض الأوزار وجزءا من مسؤولية التخلف العام!
لقد تطورت طرق التدريس وذهبت أشواطا بعيدة في مراعاة طبيعة المادة العلمية، ومستويات المقصودين بالعملية التعليمية، ويمكن القول: إن التدريس أصبح علما مستقلا يتمثل في الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته، ولأشكال تنظيم مواقف التعلم التي يخضع لها المتعلم قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي أو الوجداني، و يركز علم التدريس أيضا على نشاط كل من المدرس والطلاب وتفاعلهم داخل الصف، وعلى مختلف المواقف التي تساعد على حصول التعلم ... (44)
كما تَحوّل مجال الاهتمام في العملية التدريسية من المُدرس إلى الطالب، فبعد عقود ظل فيها محور العملية التعليمية هو المدرس، بهندامه وحركته ومعلوماته وإيديولوجيته وميوله … وظل الطالب متلقيا لا حق له في المشاركة، يسمع ويعي ويعيد ما سمعه في الامتحان، إن وعاه، أصبح الطالب اليوم هو محور العملية التعليمية ومن أجله ُبنيت المؤسسات ولأجله ُوظف المدرسون، يشارك في العملية التعليمية منتجا ومحاورا ومعلقا ومنتقدا ...
كما تطورت تقنيات التدريس بشكل ملحوظ، إذ شمل التقدم التكنولوجي جل مظاهر الحياة الاجتماعية بما في ذلك الحياة المدرسية والجامعية، وأصبح الحاسوب يوفر إمكانيات هائلة، وتعددت مجالات استخدامه كهدف تعليمي، أو كعامل مساعد في العملية التعليمية، أو كمساعد في الإدارة التعليمية (45)
لقد اتسعت تطبيقات الحاسوب التعليمية وبخاصة في مجال تعلم اللغات، وتتراوح البرامج اللغوية بين ألعاب الكلمات بغرض تنمية الحصيلة اللغوية لدى المتعلم والمناهج المتكاملة لتعليم قواعد النحو والصرف واكتساب مهارات القراءة والكتابة.
إن استخدام الحاسوب - والقاعات الذكية - في تعلم العربية بفروعها المختلفة سيزيد من سرعة العمل العلمي، ويحقق من َثم المنهجية والموضوعية والدقة كما يساعد في عمليات التقويم المستمر وتصحيح استجابات المتعلم أولا فأول.
وتؤكد الدراسات والأبحاث في هذا الشأن أن الحاسوب دخل في تعليم اللغة العربية، وقد استخدم في تعداد الكلمات والحروف والتحليل الكمي والتصنيفي للنص اللغوي، فضلا عن تعليم الأبجدية، وأقسام الكلم، وإعراب الجمل، واستخلاص الجذور، وتصريف الأفعال، بالإضافة إلى التدريب على تكوين جمل قصيرة (46) واستخدام معالج النصوص في تخزين القرآن الكريم في ثلث حجمه الأصلي، وفي استرجاع الآيات وفق الموضوعات أو الكلمات ...
وأصبحت البرامج العربية المُحوسبة تضم اليوم بنوكا للمصطلحات والمعاجم اللغوية وبرامج للتحرير والمراجعة اللغوية (47)
كما استخدم في مجال الإحصاء اللغوي لبعض الخواص النوعية للغة كمعدلات استخدام الحروف، والكلمات والموازين الشعرية وأنواع الأساليب النحوية ... ومثال ذلك المعدل النسبي لاستخدام علامات التشكيل في النص القرآني (48):
الحركة المعدل النسبي
الفتحة القصيرة 43،92%
الكسرة القصيرة 17،89%
الضمة القصيرة 13،90%
ألف المد (الفتحة الطويلة 14،76%
الياء الساكنة (الكسرة الطويلة) 4،24%
الواو الساكنة (الضمة الطويلة) 5.39%
يوضح هذا النموذج حقيقة حُكم علماء اللغة المسلمين على الفتحة " بأنها أخف الحركات " كما يوضح إلى أي حد تفيد الاستعانة بالحاسوب في عمليات البحث والتدريس على حد سواء.
لقد أصبح من الواجب التسلح، في بحث اللغة، بكل المناهج والوسائل العلمية والتقنية التي تمكن من درس اللغة وفقهها وكشف أسرارها، وتسهم في ردم الهوة بين الفصيح والعامي، عن طريق تعليم فعّال وحديث ومضمون النتائج، وبذلك يكون تعليم اللغة بإمكانه أن " يحدث ما سماه - أحمد حسن الزيات - آثاره الثلاثة:
أثره العقلي بربط الفكر باللغة
وأثره النفسي ببعث اللذة من تذوق الأدب
وأثره العلمي في خلق القدرة على القراءة والكتابة
وإذا استطاع الشاب أن يقرأ فيفهم، ويكتب فيُحسن، ويفكر فيُصيب، استطاع أن يجد السبيل إلى كل علم، والدليل إلى كل غاية.
أما تعليم الفصحى بالعامية، وتحفيظ القواعد ليقرأ الطالب بها كتاب المطالعة دون أي كتاب، ويكتب بها موضوع الإنشاء دون أي موضوع، ويدرس الأدب على أنه سجلُ ولادات ووفيات، وديوانُ حوادث وروايات، فذلك هو الذي كرّه الدارسين في اللغة، وزهّد الناشئين في الأدب، وصرف أدباء الشباب إلى آداب غيرهم ... (49)
غيرأن تبني أي نظرية والتحمسَ لأي نموذج، لا ينبغي أن يكون على حساب خصوصياتنا الثقافية، فمثلا ينبغي ألا تكون سيطرة التوجه العقلاني في التعليم وهيمنة النماذج التكنولوجية التي تدعو إلى الضبط والفعالية سببا في إفراغ التعليم من محتواه الأخلاقي ومن بعده الإنساني، ثم إن الجري وراء المردودية وهوس الدقة والإجرائية، والذي عادة ما يسقط فيه المتحمسون للنماذج التكنولوجية الحديثة، ينبغي ألا يكون على حساب مبادئنا ومقوماتنا الروحية والثقافية، وعلى حساب النظرة الشمولية لقضايا التعليم ولأهدافه، على أن التحفظ من كل جديد والتشكيك في كل ما يفد علينا، قد لا يعني في بعض الأحيان سوى ترسيخِ النزوع نحو الاستكانة والجمود (50)
¥