ـ[د. علي السعود]ــــــــ[25 - 09 - 2006, 12:34 ص]ـ
- 8 -
الإفراط في الحواشي
كل أمر يزيد عن حده، يكون أثره سلبيا، وإن كان الواضع أراد الاستفاضة من أجل الإفادة.
إن المطلع على بعض الكتب المطبوعة، والرسائل، يجد أن الرسالة أو الكتاب كتابان في كتاب، ويبدو لي أن الأمر اختلط حقا لدى بعض الباحثين، حيث أصبحت حواشيه، كما يفعل شراح القرن العاشر ومابعده، ونسي ماهية الحواشي في وقتنا الحالي، إذ هي مفاتيح لما يحتاج إليه القارىء، وإحالات توثّق العمل، لا أن يكون الهدف هو التزيّد، وتضخيم العمل، فالإجادة لاتقاس بالكم، بل بالكيف.
ولا يزال كثير من الباحثين لا يكاد يفرق بين دراسة في بحثه أو تحقيق مخطوطة، فالعمل فيهما لديه سيان.
انظروا إلى كتاب المقتضب، وكيف صنع منه العلامة الكبير محمد عبدالخالق عضيمة مايساوي النص المحقق عشرات المرات، وكم كنت آمل لو أن التعليقات التي ملأت الحواشي لابن ولاد، أخرجت وقتها في كتاب محقق، لا أن ننتظر سنوات حتى نرى كتاب الانتصار مطبوعا.
وهذه رسالة بين يدي، بذل فيها الباحث جهدا كبيرا، يشكر عليه، لكن - برأيي - أن عمله ليس هذا مكانه، فها أنا أقلب ألفي صفحة، في كل صفحة سطر واحد من النص، ثم يخرج القول، ويذكر صاحبه، ويترجم له، والبيت الشعري - إن كان فيها - ثم يسطر عشرات المصنفات التي ورد فيها هذا البيت، ويذكر الاختلاف في قائل البيت، ويترجم لكل واحد .. وهلم جرا.
إن بعض الأعمال التي نقوم بها في الحواشي، تكون على حساب قراءة النص قراءة جيدة، أو سبك فكرة بصورة واضحة.
إن وضع فاصلة في مكانها الصحيح الذي يتميز بها المعنى، وتتضح بها المقال خير من حاشية لا تحمل أي قيمة.
يا ترى: هل الباحثون يركزون حقا في علامات الترقيم، ويعتنون بوضعها في مكانها الصحيح، من أجل أن تتضح الأفكار وتبين غوامضها؟!!
برأيي إن مفهوم الحاشية يحتاج إلى إعادة نظر وضبط، وتوضيح لمدلولها الحقيقي، إذ لا نريد أن نكون شارحين من حيث لا نشعر.
ـ[العاذلة]ــــــــ[25 - 09 - 2006, 04:57 م]ـ
أشكرك جدا على هذا الموضوع القيم، وإذا سمحت لي عندي بعض التساؤلات
حول موضوع ضعف التصور:
وأعني به عدم التفكير المسبق في طرق تناول المسألة، وكيفية درسها، وأنماط تحليليها، ووضع تصورات سابقة للمبحث أو القضية التي يراد بحثها.
لقد استوقفتني لفظة (تصورات) فسؤالي كيف أعد تصورات واضحة ودقيقة لموضوع لا أعرف عنه سوى الموضوع وما هي الآلية المتبعة للإعداد؟
وفي اطلاعي على جملة كبيرة من الرسائل أجد أن الباحث في بعض المباحث أو المسائل يفقدها التنظيم، والعقد الذي يجمع حباتها المتناثرة، وسببه - برأيي - هو عنايته برصد المادة العلمية دون أن يصنع لها أطرا تجمعها، ولهذا تجد المعلومات متناثرة، فيذهب جهده الذي بذله في هذا السبيل
كلام نظري مهم وجميل كيف أتعامل معه في أرض الواقع؟
ما أعنيه ما هي الخطوات المتبعة في ربط المتناثر بعد جمع المادة العلمية
ـ[د. علي السعود]ــــــــ[25 - 09 - 2006, 07:49 م]ـ
أختي العاذلة:
أشكرك على هذه التساؤلات التي تدل على قراءة معمقة لما جاء في الوقفات،
أما قولك:
لقد استوقفتني لفظة (تصورات) فسؤالي كيف أعد تصورات واضحة ودقيقة لموضوع لا أعرف عنه سوى الموضوع وما هي الآلية المتبعة للإعداد؟
هذا الأمر يعتمد على كل متخصص وتخصصه الذي اتجه إليه، فحين يكون لديك في الخطة مبحثا ما، وهو عبارة عن عنوان فقط، فوضع التصور يمكن عمله، بطريقتين:
أولهما: بقراءة نظائره في كتب أخرى، وتسجيل كيفية تناول المبحث، وذلك بوضعه على طريقة نقاط أولا، ثم محاولة تصنيفها، ثم الخوض في مادتك العلمية، وجعل المخطط السابق في صفحة مستقلة، ثم في حال القراءة لمادتك العلمية تقومين بتسجيل كل فكرة في هذا المخطط إما تحت عنواناتها الرئيسة، وإما جعلها جزئية فيه، وإما جعلها رأسا بنفسها، ثم تصنيف رؤوس المادة العلمية تحت كل فقرة من هذا التصور.
تخيلي أنك وضعت شجرة للمبحث لها أغصان، تسجلين فيها القضايا الكلية، وورقات تحمل القضايا الجزئية.
وثانيهما:وضع شجرة مفترضة للمبحث، دون الرجوع لأي نظائر لهذا المبحث في غيره من الكتب التي تشابهه، وهذا الافتراض لا يلزم أن يكون متطابفا، لكن يكفي أن يكون لوحة تقرأين فيها المبحث، وبعد الخوض يمكن التعديل فيه، حسب ماتدعو الحاجة إليه.
ويبدو لي أن قراءة الإنسان في التخصص، واطلاعه، هي المعين له على وضع هذا التصور، وتسهيل أمره.
أما قولك:
كلام نظري مهم وجميل كيف أتعامل معه في أرض الواقع؟
ما أعنيه ما هي الخطوات المتبعة في ربط المتناثر بعد جمع المادة العلمية؟
فأقول:
إنني أكتب هذا عن تجربة واقعية في كل رسائلي وأبحاثي، وقد عملت ذلك لغيري.
أختي:
في هذه المسألة أجد كثيرا من الباحثين لديه مادة علمية جيدة، لكن يسيء إليها بتأليفه بينها، قبل فترة أرسل لي باحث دراسة له في الدكتوراه، ولما قرأتها وجدتها تحمل نقاطا رائعة، وأفكارا تعب على استخلاصها، لكن ساءها سوء تنظيمها، فحين جمع تلك الأمور، لم يحاول أن يصنفها تحت قضايا كلية، وتحت هذه القضايا جزئيات فرعية، حتى تبين التفكير المنظم لديه، تخيلي، أني أعدت صياغتها من جديد، فما كان متأخرا تقدم، بسبب قيمته وأهميته، وعنوانات صارت فكرة تحت قضية.
بإمكانك لو أرسلت لي مبحث ما، سأريك كيف يمكن تصنيفه من جديد، فالإبداع ليس بأن نأتي بالجديد، بل إعادة صياغة الأشياء من جديد، إذاً الآلية تكمن في:
- جمع الأفكار أولا.
- تصنيف المتقارب بينها دلالة.
- وضع عنوان لها كقضية كبرى، ومن ثم ذكر تلك الأفكار بعدها.
- ثم إفراد الأفكار التي لايمكن وضعها تحت غص واحد، وهي أفكار قليلة في آخر المبحث.
أختي الفاضلة:
بين وقفتيك تقارب فيما أريد ..
أرجو أن أكون وضحت مقصودي، ومرحبا بكل استفسار أو توضيح حوله.
قاصلة:
ما أقوله هنا هو جزء من منهج عملت به، وطبقته مع آخرين.
أشكرك على هذه المشاركة.
وفقك ربي.
¥