تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نحن بحاجة إلى إعادة النظر في الثقافة العلمية السائدة لدينا، فإن من شأنها تحديد مسار وطبيعة أي عملية تعليمية وتربوية، فالثقافة العلمية السليمة الإيجابية تستحث البحث العلمي، وتشجع الابتكار والإبداع، و تعزز توظيف العلم في المجتمع، بينما الثقافة العلمية المشوّهة تحيد بجامعاتنا عن طريقها المأمول، وتمنعها من إنجاز مسؤولياتها ومهماتها على الوجه اللائق، وتحرمها من دورها الاجتماعي .. ومن أبرز الأمثلة على هذا الثقافة السلبية: فكرة متجذّرة لدى كثير من الطلبة والطالبات، وهي أن الجامعات ليست إلا أداة لشهادة يهشون بها حوائج الزمن، وبالتالي لا قيمة لإتقان فهم العلم وتوظيفه أو البحث العلمي، فما يهم حقيقة هو المسجل رسمياً نهاية الفصل من علامات .. وحتى أولئك الطلبة أو الطالبات الذي تمكنوا من تجذير الثقافة العلمية المحكمة بدواخلهم، يعانون من عدم توفر المعطيات التي تعينهم على المضي قدماً نحو الإبداع، كالمختبرات اللازمة، و مراكز البحث، وتوفر المراجع العلمية اللازمة .. لا سيما وأن بعض فروع الجامعات، وجل الكليات تكون مكتباتها مفتوحة في أوقات معينة، تتزامن كثيراً مع أوقات المحاضرات .. وهنا لا يفوتني أن أُذكّر بمعاناة طلبة وطالبات المدن الصغيرة والمحافظات، التي ربما توضع في قائمة خاصة بجامعات وكليات كوكب المريخ .. !

إن على جامعاتنا أن تقود حركات تغيير وتصحيح للثقافة العلمية، وأن تقوم بدور ثقافي جدّي عن طريق تعزيز العلاقات بين الثقافة والعلم بمختلف مجالاته، والإنماء الثقافي الذي يتخلص من المفاهيم السلبية، ويشكل المفاهيم الإيجابية على الأقل على مستوى حرم الجامعة، حتى يكون مركز إشعاع لما حوله .. فإذا كان الضعف ظاهرة عامة لدينا، والتخلّف ملمح في كثير من مناحي حياتنا، نتيجة عوامل متراكمة ومتداخلة، إلاّ أن الجامعات ليست معفية من مسؤولية معالجة ذلك، وقبله الإسهام فيه، ذلك بصفتها معاقل العلم، و مخرجة حامليه، ومحضن الشباب عماد أي مجتمع و أمة .. و أيضاً عادة ما تكون مناصب القيادة تحت من تخرّج من نفس الجامعات، وهذا يعني أن هناك حلقة مفرغة تحتاج إلى الكسر .. والتي من أسبابها الميل إلى إبقاء كل شيء على حاله والتهيب من التجديد من أولئك الذين رضوا بالتأخر، وباتوا جزءاً منه .. وقبل ذلك ضعف إدراك أهمية دور الجامعات الحقيقي والاهتمام بمسألة الكم لا الكيف .. نعم هناك مخلصون، ومبدعون، فضلهم على الجامعة أكبر من فضلها عليهم، وهناك عطاءات جميلة، ولكنها تبقى غالباً جهوداً فردية أو محصورة تحتاج إلى برامج متكاملة تقوم بتنظيمها وإشاعتها وتنويعها ..

فإذا لم تستطع الجامعات التخلص من العوائق الخارجية فليس أقل من مشاريع الإصلاح الداخلية، وإلاّ فليس من المنطقي أن تتحمل وزارة الخدمة المدنية أو وزارة المالية تلك الممارسات الخاطئة المنتشرة كالتي - مثلاً - تحرم الطلاب من ممارسة حقهم في حرية النقاش والتعبير عن الرأي، وتنظر إلى المحاور منهم ككائن ينشط هوامات القلق والإزعاج .. خاصة أن هذه المرحلة يُفترض أن يُشكل فيها الشخص آراءه من منبع ذاته لا من سُقيا غيره .. مما أدى إلى أن تحولت كثير من العقليات إلى نسق من قوالب ذات نمط واحد تتسم أحياناً بالخواء أو التصلب الفكري .. لاسيما وأن القدرات العقلية تركد وتأسن وتفقد القدرة على التطور، ما لم تكن في وضعيات مخالفة و مواجهة مع مستويات معرفية وفكرية مختلفة، تشكل مجالاً خصباً للاحتكاك والتكامل، وتعلّمهم مبدأ الحوار في الحياة عامة، بدلاً من تراكمات أجيال لا تحسن التعامل مع رأيها و الرأي الآخر ..

كما أنه ليس من المنطقي أن تُعزى أسباب التخلف إلى ضعف التمويل، بينما هناك دول أضعف اقتصاداً بمراحل، لكنها سبقتنا في التعليم العالي بمراحل .. نعم الإمكانيات المادية جزء مهم لا ينبغي إغفاله، لكن حسن الإدارة والتخطيط هو القاعدة التي لو لم تُحكم لكان ما يُبذل هدراً ليس إلاّ .. مع ضرورة الالتفات إلى مطالب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وتفهم معاناتهم والتخفيف من مثبطات إبداعاتهم كانخفاض الأجور، وتدني فرص المشاركة في المؤتمرات، وعدم وجود تأمينات صحية وسكنية، وعدم جزل مكافآت الأبحاث العلمية في حين أن زملاءهم في الجامعات المتقدمة ينالون مردوداً اقتصادياً جيداً، وتبحث عنهم الشركات وتتنافس في احتضانهم .. مما جعل الجامعات بيئة غير خصبة للطموح والروح الإبداعية، فعزف الكثير منهم عن البحوث والمشاريع إلى كتابة المقالات في الجرائد، و منتديات الإنترنت بأسماء مستعارة ..

أخيراً نقول: رب ضارة نافعة، فلربما كانت التصنيفات سبب وقفة صارمة لتحسين الأوضاع، ووضع الخطط اللازمة للّحاق بركب العالم، وحجز مقاعد معقولة بدلاً من (2998) .. فعلى وزارة التعليم العالي والجامعات إعادة النظر في كل ما سبق- وغيره بالتأكيد- ومواجهة الواقع المُخجل بدلاً من إضاعة الوقت في محاولات التبرير التي لن تصنع مجداً.

منقول من موقع الإسلام اليوم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير