تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعدّ الجاسر من العبث حذف مقاطع من الكتاب، أو فصولاً لا تتسع لها صدور بعض القراء، فالكتاب عنده وثيقة تحكي السائد في زمانها من أفكار وعقائد وعادات، وحذفها فيه طمس للحقيقة، خاصة وأنّ الزمن الحاضر يختلف عن الماضي فلم يعد المعاصرون مقتنعين بما يرد في تلك الكتب من أوهام قضت عليها الثقافة السائدة والتعليم الصحيح. ففي مقدمته لـ معجم الشيوخ يقول الجاسر: "وهذا الكتاب لم يؤلف إلا لطبقة خاصة من العلماء، وهو يجلو وجهًا من أوجه الثقافة الدينية -من الناحية التاريخية- في حقبة من الزمن طغى فيها الجمود الفكري طغيانًا شمل العالم الإسلامي كله. ولهذا فقد يمر القارئ بعبارات لا يتسع لها صدره تتعلق بالصوفية و (لبس الخرقة) أو بالحلولية كذِكر ابن عربي، أو بتعبيرات غير مألوفة شرعًا كجملة (قاضي القضاة) و (زيارة قبر النبي) صلى الله عليه وسلم، ونحو هذه التعبيرات أو الجمل. ولهذا ينبغي أن تكون النظرة إلى هذا الكتاب باعتباره يسجل جانبًا من حياتنا الثقافية تسجيلاً تاريخيًّا يجب أن نعرف هذا الجانب على علاته، حق المعرفة، بدون تغيير، أو تأثر ... ولن نستطيع -إذا أردنا الاستفادة بتراثنا- إلا أن نقف هذا الموقف أمام كثير مما وصل إلينا من ذلك التراث" (5).

وفي مقدمته لنشرة كتاب الدرر الفرائد نجده يشير إلى هذه النقطة، فبعد أن يشير إلى عصر تأليف الكتاب الذي اتسم بالجمود الفكري، ووجود مواضع في الكتاب -بسبب ذلك- مما لا ترتاح إليه نفس القارئ ولا ينشرح له قلبه لما فيه من مصادمة لبعض المفهوم من النصوص الشرعية، يعقّب على ذلك بقوله "ومما يهوّن شأن تلك الأمور -وإن كانت ليست هيّنة بنفسها- أنّ الصحوة الفكرية التي شملت العالم الإسلامي، قد أزالت كثيرًا مما لصق بعقول بعض المنتسبين إلى العلم من آثار المتقدمين ... ولو نظرنا نظرة عامة إلى ما خلّفه لنا المتقدمون من مؤلفات، وأردنا الاقتصار منها على ما ليس فيه ما لا نرتضيه ... لقلّ ما نحصل عليه من ذلك التراث" (6).

وفي هذا السياق نفهم نشره لرسالة الجواهر المعدّة في فضائل جدة للشيخ أحمد الحضراوي (1327هـ) في مجلة العرب على ما في كلام مؤلف الرسالة عن الدعوة السلفية من تجاوز قائلاً: "ترددت كثيرًا عندما قرأت كلام الحضراوي عن الدعوة السلفية، وما نسبه إلى القائمين عليها من أمور باطلة حتى هممت بعدم نشر بقية الرسالة، لكن هل عدم نشرها يحول دون اطلاع القراء على ما فيها من الزور والبهتان؟ ثم إنّ رمي دعاة الإصلاح -أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- ورميهم بما هم منه براء شنشنة قديمة وقد أظهر الله زيفها وبطلانها .. ولئن كان علماؤنا يحذّروننا من الاطلاع على كتب أهل البدع والأهواء والزيغ والضلال فإنّ ذلك التحذير كان في محله عندما كانت تلك الكتب حبيسة المكتبات الخاصة، وكان الحصول عليها لا يتسنى لكل أحد ... أما الآن فإنّ وسائل النشر يسّرت لكل قارئ الاطلاع على كل كتاب يريده، وهيأت لكل كتاب أن ينتشر حسب رغبة من يهمهم أمر ذلك الكتاب ... وخير لنا أن نوضح ما في تلك الكتب من آراء باطلة بالحجة والبرهان من أن نحاول إخفاءها عن أعين القراء ... " (7).

ومما نشره على هذه الشاكلة رسالة في وصف المدينة المنورة لمؤلفها علي بن موسى، وكتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى لمؤرخ المدينة المنورة علي السمهودي؛ فقد نشر نصيهما كاملين، ونبه على ما فيهما في المقدمة وعلّق على مواضع تعليقات خفيفة في الهوامش (8).

إنّ هذا المنهج الذي اتخذه الجاسر في نشر كتب المخالفين للدعوة الإصلاحية السلفية هو المتبع حاليًّا، وذلك ابتداء من نشر كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب الذي كان ثاني مطبوعات دارة الملك عبد العزيز بعد إنشائها، وانتهاء بكتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد النجدي الذي حققه الدكتور عبد الرحمن العثيمين وكتاب منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم للسنجاري، الذي صدر عن جامعة أم القرى سنة 1419هـ/1998م، والذي رحب الجاسر بصدوره ترحيبًا مناسبًا من خلال كتابته عنه (9).

لكن هل استطاع الجاسر خلال مسيرته العلمية أن يحافظ دائمًا على هذا المنهج المنفتح على الماضي بعيون ناقدة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير