تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الواقع أنّ الشيخ في فترات متعددة من حياته العلمية لم يستطع أن يطبّق ما أراده من هذا المنهج إلا بصعوبة؛ فقد اضطر إلى تلخيص كثير من رحلات الحج إلى الأراضي المقدسة وحذف مقاطع منها فرارًا من إشكالات ما قد يكون في كثير منها من البدع والممارسات، التي لا تتسع لها صدور بعض القراء؛ ففي مقدمته لنشرة رحلات القطبي بين مكة والمدينة، نراه يبين أنّ الطريقة المثلى -في نظره- "نحو هذه الكتب التي تحوي من الآراء ما يخالف معتقداتنا الصحيحة هي إيضاح ما يبطل تلك الآراء بالحجج والأدلة المعقولة" ولكنه يبدي أسفه لعدم استطاعته تطبيق هذا المنهج قائلاً: "ويؤسفني حقًا أنه ليس من المستطاع الآن -إذا أردنا الاستفادة مما وصل إلينا من تراث العصور المظلمة في تاريخنا- إلا بعدم نشر ما لا تتسع لقبوله طائفة من القراء، وهذا ما دفعني مضطرًا لحذف طائفة من أقوال صاحب الرحلات، وأكثرها لا صلة له بالناحية التي دفعت إلى نشر تلك الرحلات، بل تتصل بأشعار وجمل طغت على عاطفة المؤلف في التعبير حتى تجاوز الحد ... وقد أشرت إلى ما حذفت" (10). ومن الطبيعي أنّ ما حدث من حذف أو تغيير في هذه النصوص التي نشرها الجاسر لم يكن داخلاً ضمن إرادته ولا موافقًا لمنهجه، وإنما حدث بفعل ما تفرضه الرقابة من قيود على مثل هذا المنهج.

النسخ الخطية

يجتهد الجاسر في الحصول على أكبر قدر من النسخ الخطية للكتاب، فهو يحاول حصر النسخ ما أمكن، ويتبع الطريقة السليمة المتبعة في الموازنة بين النسخ من حيث قيمتها العلمية، ويعتمد ذلك على قِدم النسخة وضبطها وكونها مقروءة على المؤلف أو مقابلة على أصله، أو مكتوبة بخط أحد العلماء أو مقروءة عليه أو مقابلة على أصله أو غير ذلك مما هو معروف لدى المحققين. ففي نشرته لكتاب الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة نجده ينظر في عدد من النسخ، ثم يقدم نسخة خزانة القرويين في فاس وهي نسخة كتبت بخط مغربي وأصابها من أثر الرطوبة والبلل والعثة ما جعلها شبه مهترئة في بعض أجزائها، لكنها تتميز بالقِدم من جهة وبزيادات لا توجد في غيرها من جهة أخرى؛ ولذلك قدّمها وجعلها أصلاً، ولقد كانت لديه من النسخ واحدة وصفها بجودة النسخ وأنه يبدو من جمال خطها وما في هوامشها من إشارات أنّ عالِمًا طالعها وقابلها على نسخة أخرى، تلك هي نسخة جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية.

وكذلك يفعل عند نشره كتاب الأماكن للحازمي (ت 584هـ) إذ نجده يقدّم نسخة مكتبة (لاله لي) التركية المؤرخة سنة 620هـ على نسخة (ستراسبورج) المؤرخة سنة 715هـ قائلاً: "اتضح لي أنّ مخطوطة (ستراسبورج) كثيرة التحريف، بحيث تتوقف الاستفادة منها على مجرد الاستعانة بها، بخلاف نسخة (لاله لي) التي اتخذتها أصلاً أعوّل عليه، لقِدمها ولصحة ضبطها، وإتقان خطها، مع رجوعي إلى معجم البلدان في النصوص التي ينقلها عن الحازمي" (11).

وعند نشره كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى للسمهودي نجده يعتمد في النشر على نسخة الإسكوريال مع أنه يعلم أنّ هنالك نسخة أقدم منها في كتب الشيخ عبد الستار الدهلوي في مكتبة الحرم بمكة المكرمة، فيعتذر عن ذلك بقوله: "وكنت اطلعت في مكتبة الحرم المكي على نسخة من هذا الكتاب ... ومع حرصي على الاستفادة من هذه النسخة أثناء الطبع فإنني لم أتمكن من ذلك إلا بعد الطبع، مع أنّ الطريقة القويمة عدم نشر أي كتاب قبل جمع ما يمكن من مخطوطاته، والمقارنة بينها، واختيار أجودها وأصحها" (12). ومع ذلك فقد نظّم -بعد حصوله على النسخة الثانية- جدولاً للمقارنة بين النسختين في آخر الكتاب يستدرك فيه الزيادات ويشير فيه إلى أخطاء النشرة.

ولا يعني الحديث عن ذلك أنّ الجاسر لم يعتمد على نسخة واحدة في أي من تحقيقاته، بل الواقع أنه فعل ذلك عندما تكون النسخة وحيدة، كما في نشرته كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة الذي نسبه أول الأمر إلى الإمام الحربي ثم إلى القاضي وكيع، وما تزال نسبته إليه قلقة. فالنسخة فريدة وجدت في المكتبة الرضوية بطوس من إقليم خراسان في إيران. وإذا اتفقت النسخ في أشياء كثيرة كأن كانت متقاربة التواريخ أو ترجع إلى أصل واحد لم يجعل الجاسر أيًّا منها أصلاً، وإنما يلفق بينها كما فعل في نشرته لكتاب بلاد العرب المنسوب إلى أبي علي لغدة الأصبهاني؛ فقد وجد أنّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير