تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يفي بالغرض، ولا يكون مستوفيًا لكل ما في الكتاب من معلومات مثل استيفاء فهارس الأعلام، وهذا ما دعا إلى وضع ثلاثة فهارس للأعلام (من أشخاص ومواضع وجماعات) أما ما عدا ذلك من وضع فهارس للشعر ولأسماء الكتب إلخ فالكتاب ليس أصلاً قديمًا، أو مصدرًا من مصادر دراسات اللغة، أو الأدب بحيث يقدّم للباحث جديدًا فيهما، ووضع فهارس من هذا القبيل قليل الجدوى" (46).

والواقع أنّ الفهارس تعدّ بمثابة المفاتيح للكتاب؛ ففهارس الشعر أو فهارس الكتب لا توضع لمعرفة ما لدى القدماء من مأثورات أدبية أو فكرية وحسب وإنما توضع لتسهيل وصول القارئ إلى مادة الكتاب أيًّا كان عصره؛ ذلك أنّ مادة الكتاب الفكرية مهما كان نوعها تعرض الثقافة السائدة في عصر المؤلف، مما يفيد الباحث في كثير من النواحي العلمية والثقافية.

وعلى الرغم من أنّ الشيخ قد تعمّد إغفال بعض الفهارس في بعض الكتب المتأخرة نسبيًّا ككتاب رسائل في تاريخ المدينة وكتاب البرق اليماني، إلاّ أننا نجده يبالغ في فهرسة كتاب الدرر الفرائد ومؤلفه من علماء القرن العاشر الهجري، بل إنه يدرج في فهارسه المواد المذكورة في الهوامش، وهو أمر لا ضرورة له. كما أنه يغفل فهارس الشعر والأماكن في كتاب الإيناس وهو كتاب قديم، مؤلفه من علماء القرن الرابع الهجري.

وبعد، فقد كانت هذه الجولة في منهج الجاسر العلمي في تحقيق التراث وإخراجه ونشره، وبقيت لنا وقفة حول موقف الشيخ من أعماله ورأيه فيما أخرجه إلى الناس من مؤلفات، وهو رأي يدلّ على أنّ الشيخ كان من التواضع بحيث لم يفرض رأيًا أو أسلوبًا على أحد، ولم يدّع كمال العلم، بل كان في مناسبات كثيرة يشير إلى اجتهاداته على أنها محاولات يكتنفها النقص، وقد لا تخلو من الخطأ؛ ومما يؤيد ذلك قوله: "ويحسن هنا أن أشير إلى أمر من أكثر ما يعترض الباحث -أيًّا كان مبلغه من العلم- ذلك هو الوقوع في الخطأ، وليس من العيب على المرء أن يقول أخطأتُ والصواب كذا، وإنما العيب أن يخطئ، ثم يحاول الإصرار على الظهور بمظهر المتمعلم، أي المتكلف للعلم، وهو الجاهل حقًّا؛ ذلك أنّ العلم أوسع من أن يحيط به أي إنسان على ظهر البسيطة، والجهل من الصفات الإنسانية التي لا يمكن أن ينزه عنها المرء مهما بلغ من درجات العلم، وخير للباحث أن يقول لقد أخطأتُ والصواب كذا وكذا من أن يقال له لقد أخطأتَ، ورأي المرء من حقه الخاص قبل أن يذيعه على الملأ، وبعد إذاعته يصبح عرضة بل يصبح حقًّا مشاعًا، وقديمًا قالوا: (الحق ضالة المؤمن) أي أنّ الحق هو ما يبتغيه كل إنسان يثق بعلمه وبنفسه ثقة تحمله على الاطمئنان، لهذا فإنني منذ أصبحت أدرك هذا صرت أعتقد أنّ كلمة (لقد أخطأتَ) هي خير لي من كلمات الثناء؛ ذلك أنني أعرف نفسي حق المعرفة، وأعرف مقدار ما أتصف به من العلم معرفة تجعلني أتطلب المزيد وأقنع بما لدي، ولا أستفيد من كلمات الثناء والتقدير أية فائدة بخلاف الإرشاد إلى الخطأ" (47).

لقد طبّق الجاسر ذلك عمليًّا في حياته العلمية في مواقف كثيرة، ويكفي أن نشير إلى اختلافه مع الأستاذ أحمد السباعي حول موقع الحجون في مكة المكرمة (48)، وعودته عن رأيه بتصويب رأي الأستاذ أحمد السباعي فيما بعد (49).

أما بالنسبة لما حققه من نصوص فمن المعروف تنازله عن القطع بنسبة كتاب المناسك إلى الإمام أبي إسحاق الحربي لاحتمال نسبته إلى القاضي وكيع، وحذفه ترجمة الإمام الحربي من هذه النشرة.

ثم إنّ الشيخ -في سبيل الوصول إلى أفضل المستويات في التحقيق والضبط- نجده يفتح الباب لمن يأتي بعده في تحقيق الكتاب نفسه إن كان لديه من المسوغات ما يجعل نشرته أكثر إتقانًا وأوفى نصًّا؛ ففي كتاب المناسك يقول: "وحسبي أنني بلغت جهدي، وإن لم يبلغ الرضا من نفسي مبلغه، وهذا ما أرجو أن يقوم به من هو أقدر مني" (50).

ويقول في مقدمته لكتاب الدرر الفرائد: "وأنا حين أقدّم هذا الكتاب -جليل النفع، غزير الفائدة- أحسُّ بالأسى لكونها غير محتوية على ما في أوفى مخطوطة منه وصلت إلينا، لعدم إمكان قراءة بعض صفحاتها التي أشرت إليها في الحاشية، وآمل أن يعثر على نسخة أوفى وأوضح من النسخ التي اتخذتها أصلاً لهذه المطبوعة ليعاد نشر الكتاب بصورة أصح وأكمل مما برزت به هذه المطبوعة" (51).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير