تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابن المقفع لم يصرح بترجمة الكتاب، وانما هو استنتاج استنتجه القدماء من قوله في اول سطر من تقديمه: "هذا كتاب كليلة ودمنة، وهو ما وضعه علماء الهند". وهو يشير بذلك الى امور منها التنبيه الى مصادره الأساسية التي اعتمدها في تأليف هذا الكتاب، كما تقضي الأمانة العلمية، ومنها رغبته في ترويج الكتاب واضفاء قيمة ادبية او علمية عليه بنسبته الى علماء الهند المعروفين آنذاك ببراعتهم في تأليف كتب الحكمة السياسية على لسان الحيوان. وذلك امر كان شائعا - كما يقول الجاحظ - في كتاب ذلك الزمان ايضا اذ كانوا يؤلفون الكتب وينحلونها غيرهم، وقد اشار الجاحظ الى ان ابن المقفع هو من بينهم، مكتفين بالاشارة الى ان دورهم لا يتعدى النقل او التفسير، ترويجا مذيوعا لها.

ويقول الدكتور محمد رجب النجار في كتابه (التراث القصصي في الأدب العربي) الصادر عن دار السلاسل بالكويت، الى ان كاتبا عربيا قديما هو ابن عمر اليمني (400هجرية) انكر ايضا زعم وادعاء ابن المقفع بنقل الكتاب عن الفارسية، ومن ثم الهندية، فقال ان ابن المقفع نسب هذا الكتاب الى الفرس لغايات في نفسه - مادية ومعنوية - ابان الصراعات الشعوبية بين العرب والعجم. وذكر ابن عمر اليمني صراحة ان كليلة ودمنة هو من وضع ابن المقفع، وان ما فعله على هذا الصعيد فعله سواه من الكتاب في العصر العباسي.

ويضيف الدكتور محمد رجب النجار ان كليلة ودمنة كتاب عربي، تأليفاً وابداعاً، شكلاً ومضموناً، هدفاً وغاية، لأسباب كثيرة منها الدراسات المقارنة، خاصة بعد العثور على الاصول الاولى للكتاب الهندي الذائع الصيت: اسفار الحكمة الخمسة او (البنجاتنترا) التي عرضها ابن المقفع واعتمد عليها من خلال ترجمتها الفارسية (البهلوية القديمة). وقد ذكر البيروني ان اسمها (البنجاتنترا)، وكان يود ان ينقلها من الهندية الى العربية مباشرة لولا ان ابن المقفع سبقه الى ذلك، واضاف اليها فصولاً، على حد تعبيره. وفي سنة 1876تم العثور على الترجمة السريانية (للبنجاتنترا) التي قام بها السريان سنة 570ميلادية نقلا عن الفارسية (البهلوية القديمة).

عندئذ نشطت الدراسات المقارنة بين الروايات الهندية والسريانية والعربية للكتاب. الباحثون العرب اعتمدوا المقارنة النصية الصرفة، فتوقفت نتائجهم عند اثبات ان ابن المقفع اضاف بعض الفصول، وهذا يعني انه كان مجرد مساهم في ابداع بعض اجزاء الكتاب اما المستشرقون الاجانب فقد اعتمدوا مناهج ونظريات علم الفولكلور المعاصرة، ومنها النظرية الشرقية، او نظرية الاستعارة التي دعا اليها العالم الشهير تيودور بنفي، وهي النظرية التي ترى في الهند المستودع الأساسي او الاصلي الذي امد الشعوب بمادة الابداع الادبي الفولكلوري. ومن الهند رحلت القصص او الحكايات بالشكل الشفاهي او المكتوب الى بلاد فارس والجزيرة العربية وفلسطين، ومنها عبر البحر المتوسط الى اوروبا. وقد قام تيودور بنفي بتطبيق نظريته هذه على كتاب كليلة ودمنة في ضوء المنهج التاريخي الجغرافي. وقد تطورت هذه النظرية على يد المدرسة الفنلندية، وعلماء الفولكلور الروس، فانتهت الى اعتبار ان استعادة موضوع ما من ثقافة اخرى، لا يعني ان هذا الموضوع فقد قوميته او ينبغي ازالته من الثقافة القومية لسبب بسيط هو انه ليس هناك استعارة لموضوع ما دون صياغة مبررة. وهذه الصياغة التي لا تتجاهل دور العبقرية الفردية في ابداع العمل القصصي، هي جوهر الفعل الادبي ..

فإذا طبقنا هذه النظرية الفولكلورية على ما صنعه ابن المقفع، تبين لنا ان الوصف الصحيح لهذا الصنيع هو انه ابداع ادبي لا ترجمة، كما قد يظن البعض، الأمر الذي تؤكده ايضا نظرية "العوالم الادبية" في الدراسات الفولكلورية، المقارنة والتي يبدو معها كتاب كليلة ودمنة ثمرة امتزاج بين تراث مجموعة من العالم الفولكلورية او الثقافية: العربية والهندية والفارسية والسريانية واليونانية التي انصهرت في بوتقة هذه البيئة الجديدة التي كانت سائدة في الحاضرة الثقافية للعباسيين، اي البصرة التي كانت تسمى ايضا (ارض الهند) لكثرة الهنود بها وحضور تراثهم العلمي والادبي فيها لتفرز نتاجا ثقافيا جديدا اتسم به العصر العباسي الاول، عصر الانجاز الحضاري العظيم في الحضارة العربية الاسلامية. وبذلك يكون كتاب كليلة ودمنة، بكل معطياته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير