تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأقول: كونها للتعدية للترك أو الهضْم لا يتوهّمه عاقل لعدم صحته، فلا ينبغي التعرّض له ولو على سبيل توسيع دائرة الاعتراض، وكونها للسّببيّة متعلقة بالترك غير مراد لنا، إنما هي للسَّببيّة متعلقة بالهضم، والمعنى: تركهما ليهضم نفسه بأنَّ تأليفه 000 إلخ، والكلام [بذلك] ([21]) في غاية الالتئام، فكيف يجعل عدم صحته لا تحتاج إلى بيان، ولا يخفى أنَّ كونها علَّة للعلَّة وهي هضما يقتضي تعلّقها بالعلَّة، فهو غير كونها بمنزلة لام العلَّة للترك المقتضى لتعلّقها به، لا أنَّه قسم مندرج تحته كما هو صريح عبارته.

ولنرجع إلى المقصود فنقول: مقتضى الترتيب الوضعي في (ولاسِيّما) أن يبحث فيها أوَّلا: عن " الواو" من حيثُ كونها اعتراضية أو غيره ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " لا " من حيثُ جواز حذفها وعدمه وغيرهما ممَّا يأتي؛ ثمَّ عن " سيّ " من حيثُ الإعراب وعدمه؛ ثمَّ عن " ما " من حيثُ كونها موصولة أو نكرة [موصوفة أو نكرة] ([22]) زائدة وغيره؛ ثمَّ عن مجموع " ولاسِيَّما " هل هو من أدوات الاستثناء؟ ثمَّ عن الاسم الواقع بعدها من حيثُ إعرابه، وحلول الجملة محله وعدمه، والمصنّف خالف هذا الترتيب؛ لأنَّ قصده البيان على أيّ وجه كان، أو أنه اهتم بما قدَّمه على غيره بحسب ما ظهر له [فتأمّل] ([23]).

وأخلَّ بالبحث الأوَّل ولنتكلّم عليه فنقول: قرَّر بعض مشايخنا أنَّ (الواو) في (ولاسِيَّما) اعتراضية بناء على ما قيل بجواز الاعتراض في آخر الكلام ([24])؛ وأقول: - بفضل الله – هو غير متعيّن، إذ لا مانع من جعلها للحال ([25])، وجملة (لاسِيَّما كذا) حال من الاسم الواقع قبل (ولاسِيَّما) فيكون محلّها [نصبا] ([26]) أبداً، فإذا قلت:

(سَادَ العلماءُ ولاسِيَّما زيدٌ) فجملة (لاسِيَّما [زيدٌ] ([27])) حال من (العلماء)، والمعنى: سادوا والحال أنه لا مثلَ زيدٍ موجود فيهم، أي: لا مثله في السّيادة أو في العلم، وهما متلازمان؛ إذ المعنى: سادوا لِعلْمِهم؛ لأنَّ تعليق الحكم بمشتق مؤذن بعليّة مبدأ الاشتقاق، والعلَّة والمعلول متلازمان، وعلى كلٍّ فالمرادُ أنّ زيداً [2/أ] أفضل منهم، وإن صدق المدلول لغة بأنه انقص إلاَّ أنه غير مراد عُرْفا، ونظيره قولهم: (لا أحدَ أَعْرفُ من فُلانٍ) يريدون: أنه أعرفُ النَّاس وإن صدق بالتساوي، وكذا القول في: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما زيدٌ) إلاَّ أنَّك تقول هنا على المعنى الأوَّل فيما قبله ولا مثله في استحقاق الإكرام المأخوذ من قوة الكلام؛ إذْ لا يأمر عاقل بشيء إلاَّ لمن يستحقُّه، وكأنّه قيل: استحقَّ العلماءُ الإكرامَ ولا مثْلَ زيدٍ موجودٌ فيهم، أو تقول المراد: ولا مثْلَه في طلب الإكرام، المفاد من (اَفْعِلْ)، وعلى هذا فهي حالٌ مُقَارِنَةٌ ([28]) في الموضعين على المعنيين، ولك في الموضع الثاني معنى ثالث هو: أنَّ المراد لا مثلهم في الإكرام بالفعل، وعليه فهي حالٌ مُنتَظَرَةٌ ([29])، ولا مانع أيضا مِنْ جَعْلِها عاطفة في المثال الأوَّل اتْفاقا، وفي الثاني ([30]) عند مَن يجوّز عطف الخبر على الإنشاء ([31])، وعلى هذا فهي تابعة لما قبلها محلاًّ وعدمه، فهي في نحو: (غَايةُ ما تكلَّمتُ به الحقُّ أحقُّ بالاتّباع ولاسِيّما الوَّاضحُ) في محلّ رفع؛ إذ الجملة قبلها خبر عن (غاية)، وفي نحو: (قلت له: انْصِفْ المُناظِر ولاسِيّما المتأدِّبُ) في محلّ نصب؛ إذ الجملة قبلها معمول القول، وفي نحو: (نطقتُ بِسادَ العلماءُ ولاسِيّما العاملون) في محلِّ جرٍّ، وإذا قلت ابتداءً: (أَكْرِمْ العلماءَ ولاسِيّما فُلانٌ) فلا محل لها؛ لكون الجملة قبلها ابتدائيّة، ولا مانع من جعلها للاستئناف وهو ظاهر وعليه لا محلَّ لها من الإعراب.

وقد استدعى الكلام على (الوَّاو) الكلام على جملة (ولاسيّما كذا) من حيث محلّها من الإعراب وعدمه، وهو وإن لم أجده في النّقول مقبولا عند أولي العقول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير