وأمَّا الكلام على (الوَّاو) من حيثُ الحذف وعدمه، فنقول: جرى في الحذف خلاف ([32])، فذكر ثعلب أنه خطأ ([33]) ونقلوه مقدّمين له على جواز الحذف المنسوب لغيره، فظاهر كلامهم ترجيحه، وذكر الفارسيّ ([34]) ما يقتضي جواز حذفها، وذلك أنه جعل " سيّ " حالا ممَّا قبلها دخل عليها النَّافي، ومعنى قولك: (ساد العلماءُ لاسيّما زيدٌ) سادوا لا مماثلين لزيد فاعتُرِض عليه بأنَّ الحال المفردة لا تدخل عليها (الوَّاو)، أي: إذا لم تكن عاطفة لها على حال أخرى قبلها كما هنا، فإن كانت عاطفة: {يا أيها النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهداً ومُبشِّراً وَنَذِيراً، ودَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإذْنِهِ وسِرَاجًا مُّنِيرًا} ([35]) [دخلت] ([36])
فأجيب بأنه إنما يقول: بالحالية عند عدم دخول (الوَّاو)، وأمَّا عند دخولها فـ " سيّ " عنده اسم لـ " لا " التبرئة كما يأتي ([37])، ولا تُحذف " لا " من " [لا] سِيّما " وكما لا تُحذف [لا] ([38]) لا تُحذف (الوَّاو)، وأجاز بعضهم حذْفَها وبه قال الفارسيّ، زاد وهي حينئذٍ أي: حين حذف (الوَّاو) نصب على الحال ([39]) انتهى.
وقول المعترض هناك: إنَّ الشَّارح أخلَّ بالاعتراض الأوَّل - يعني به هذا الاعتراض - سهو؛ لما علمت من الإشارة له بذكر جوابه.
والاعتراض الثاني: أنَّ " لا " إذا دخلت على وصْفٍ أو حال وجب تكرارها ولم تكرر هنا.
وأجيب بأنها مكررة معنى؛ إذ هو في قوة لا مساوين لزيد ولا زائدين عليه بل ناقصون وهذا كافٍ.
إذا علمت هذا فقول المصنّف: " وَمَا يَلِي لَاسِيّما " إمَّا جارٍ على جواز حذف الوَّاو، وإلاَّ فهو يلي (ولاسِيّما) بالوَّاو لا مجردا عنها، أو أنّ مراده يلي (لاسِيّما) بعد تقدّم الوَّاو عليه، وحذَف الوَّاو مع أنها مرادةٌ ومع أنَّ ذكرها أوفق بالاستعمال للضَّرورة.
(إن نُكِّرا)، أي: إن أُتي به نكرة نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسِيّما رجلٌ كريمٌ)، (فَاجْرُرْ أَوِ ارْفَعْ) الفاء في جواب " إِنْ " لعدم صلاحيته للشَّرط وجملة الشَّرط، وجوابه [خبر] ([40]) (ما) وعائده ضمير (نُكِّرا) وألفه للاطلاق، [2/ب] وكذا مفعول (اجْرُرْ وَارْفَعْ) إذ أصله: اجرره أو ارفعه، فحذف المفعول منويا، ويحتمل أنه منزَّل منزلة اللاَّزم فلا يحتاج إلى تقدير مفعول، أي: فاحكم بالجرِّ أو الرَّفع، وليس قصده التخيير المستوي لما يأتي من أنهما مرتبان في الرّتبة كما رتبهما هنا في الذّكر، (ثُمَّ نَصْبَهُ اذْكُرَا) " ثُمّ " للترتيب الذِّكريّ ([41]) لا الرُتبي إذ لم يصرحوا بكون النَّصب أضعفها، وسيأتي لنا فيه كلام بفضل الله.
تنبيهٌ: وجّه المصنّف الرَّفع والنَّصب بقوله: (وعِنْدَ رَفْعٍ مُبْتداً قدّرْ) وبقوله:
(وَانْصِبْ مُميِّزا) وأهمل وجه الجرِّ وهو بالمضاف كما يأتي، فكان ينبغي أن يذكره أيضا وأن يذكر الثلاثة هنا؛ ليسلم من التشتيت الحاصل بالفصل بين هذه الأوجه وبين توجيهاتها بالكلام على المشار له بقوله: (في الجرِّ ما زِيدَتْ) وبين التوجيهات بالكلام على (سيّ) المشار له بقوله: (وفي رَفْعٍ وجَرٍّ أعْرِبَنْ سِيَّ تَفِي) والأمر سهل.
نكتة ([42]): أَلِفُ (اذْكُرا) منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والسّر في الإتيان بها أنه لمَّا أتى بثُمَّ أوهم أنَّ النَّصب أضعف الأوجه مع أنه ليس موجودا في كلامهم، على أنه يأتي ما يفيد أنه أرجح من الرَّفع، فأتى بنون التوكيد لتعادل تقويتها ما أوهمه من الضَّعف، ويرجع الأمر إلى الترجيح الخارجيّ وسيأتي، فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ.
(في الجرّ " ما ") حرفية (زِيدت) بين المضاف وهو (سيّ) والمضاف إليه وهو الاسم المجرور على حدِّها في {أَيَّمَا الأَجَلَينِ} ([43]) وقوله: (في الجرِّ) متعلق بـ (زِيدَتْ) الواقع خبرا عن (ما)، ففيه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ على مذهب من يجيزه، وإنْ منعه بعضٌ محتجّا بأنَّ نفس الخبر الفعلي لا يتقدم لئلاَّ يلتبس التركيب بالفعل والفاعل فكيف يتقدم معموله؟ ([44])
¥