تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوله: " أعْرِبَنْ " أي: وجوبا كما هو حقيقة (افْعِلْ) خصوصا وقد أكده بالنّون وقدَّم الجارّ والمجرور ليفيد الحصر، فأُخذ منه أنَّ النَّصب لا يجب فيه الإعراب ويأتي لنا فيه كلام.

تنبيهٌ: أصل " سيّ " سِوْي دخله ما دخل (سيِّد) ([58])، ودليل أنَّ عينه (واو) قولهم في تصرف مادَّته: تساويا وتساوينا ومتساويان، وتثنيته (سيَّان) ([59]) ويُستغنى حينئذ عن الإضافة كما استُغني عنها مرادفه وموازنه (مثْل) في قوله:

مَنْ يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكره والشرُّ بالشرِّ عندَ الله مِثْلانِ ([60])

واستغنوا بتثنيته عن تثنية " سواء " فلم يقولوا " سواءان " إلاَّ شاذًّا، كقوله:

فيا ربِّ إنْ لم تقسمِ الحبَّ بيننا سواء ين فاجعل لي على حُبِّها جَلْدا ([61])

(وَانْصِبْ) الاسم النكرة (مُميِّزا) إمَّا (سيّ) ([62]) نفسها، فتكون (ما) حينئذٍ حرفا كافّاً عن الإضافة، وفَتحة " سيَّ " لإفرادها بناء، هكذا قال بعضهم ([63])، ونقلته في " الصَّغير "، وأقول: قد يُمنع إفراد " سيّ " في هذه الحالة، بل هي شبيهة بالمضاف ضرورة أنَّ التمييز الَّذي اتصل وتعلق بها شيء من تمام المعنى؛ إذ هو أولى بذلك من النعت؛ لأنه مبين للذات، والنَّعت مبين للصِّفة، والنَّعت داخل فيما هو من تمام المعنى، إلاَّ أنه لا يوجب الشَّبه بالمضاف لاشتراطهم فيما يوجبه أن يكون معمولا، والتمييز معمول لما ميَّزهُ، قال ابن مالك [في الخلاصة] ([64]):

اِسْمٌ بِمعْنَى مِنْ مُبينٌ [نكره] يُنصَبُ تَمييزًا بِمَا قَدْ فَسَّرهْ ([65])

وحينئذٍ ففتحة " سيّ " على هذا إعراب؛ وإمَّا " ما " بناء على أنها نكرة تامة، و" سيٌّ " مضافةٌ إليها ففتحة إعراب ([66]).

ثم قلت في " الصَّغير ": (والوجه الثاني: أقرب وذلك أنَّ التمييز عين المميَّز معنى، والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، والمثل بل هو عين الشَّيء [3/ب] الَّذي قصد نفي المماثلة له وذلك هو مدلول " ما ") انتهى.

وقولي: (أقرب) يفيد أنَّ الوجه الأوَّل صحيح إلاَّ أنه غير أقرب وكيف لا يكون صحيحا وقد صرَّح به المحقِّقون، ووجِّه بأنَّ المراد بالنَّكرة كرجل [في قولك] ([67]): (أكْرِمْ الرِّجالَ ولاسيّما رجلاً كريمًا) مطلق فرد من ماهيتها وهو عين السّيّ فهو تمييز له، والسّيّ مضاف معنى إلى فرد مفهوم كرجل كريم معهود لك، هو الَّذي قصدت نفي المماثلة له وإن كَفّته (ما) عن الإضافة لفظا، ولا شكَّ أنَّ هذا التأويل في غاية البعد.

وقولنا: (والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ 000 إلخ) منظور فيه لفحوى الكلام بقطع النَّظر عن بعيد التأويل، وحينئذٍ فلا يحتم الفساد حتى ينافي ما يقتضيه قولنا:

(أقرب) من صحة الثاني، إذا عرفت ذلك تبيّن لك فساد قول المعترض بعد نقل التوجيه المذكور مشيرا له، وإذا صح ذلك ارتفع الإشكال وبطل قول الشَّارح والاسم النَّكرة ليس هو عين السّيّ، وإلاَّ فهو أقرب إلى الإبطال لا أنه قريب للصّحة كما هو ظاهر عبارته؛ انتهى.

ثمَّ أشار إلى أنّ قول امرئ القيس:

أَلا رُبَّ يومٍ صَالحٍ لكَ مِنْهُما ولاسِيّما يومٌ بدَارَةِ جُلْجُلِ ([68])

مرويّ بالأوجه الثلاثة بقوله: (وقُلْ لاسِيّما * يومٌ بأَحْوالٍ ثَلاثٍ فَاعْلَما).

ودارةُ جُلْجُلٍ بجيمين اسم لغدير، وكان يهوى بنت عم له يقال لها: عُنيزة، فاتفق أنَّ الحيّ احتملوا وتقدَّم الرِّجال وتأخَّر النِّساء، فلمَّا رأى ذلك امرؤ القيس سار مع الرِّجال قَدْرَ غُلْوةٍ، ثم نكَزَ في غابة من الأرض حتى ورد النِّساء الغدير يغتسلن، فجاءهنَّ غوافل وجلس على ثيابهنَّ، وحلف لا يُعطى واحدة ثوبها حتى تخرج متجرِّدة، فأبين حتى تَعَالَى النَّهار فخرجن، وقلن له حبستنا فاجعتنا، فنحر لهن ناقته فشوينها، ولمَّا أردن الرَّحيل حملت كل واحدة منهنَّ شيئًا من متاعه، وحملته هو عُنيزة، ففي هذا معلقته المشهورة منها هذا البيت، ومنها ([69]):

ويومَ دَخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ فقالتْ لك الوَيْلاتُ إِنّكَ مُرْجِلي

تقولُ وقد مَالَ الغَبِيطُ بِنا معاً عَقرْتَ بَعيري يا امْرأَ القَيسِ فَانْزلِ

ويومَ عَقَرْتُ لِلْعَذارَى مَطِيَّتي فَياعَجَبًا مِنْ رَحْلِها المُتَحَمَّلِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير