تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلت: تقولين إنك مسلمة، والإسلام قول وعمل، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام ((الانقياد لله بالطاعة))، فهل أنت منقادة لله بالطاعة؟ وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع، قلت لها: هذه العباءة، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول .... قالت بغضب واضح: هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل، المهم الجوهر.

قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة ((الإسلام)) الذي تؤمنين به، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر، إن أحدهما يدلُّ على الآخر، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر، اضطربت حياة الإنسان ... قالت: هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر؟

قلت لها: كلا، لم أقصد هذا أبداً، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها، كانت مسلمة حقّة، وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً، إن الجوهر هو المهم، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة، ألم تقل: إن الموت أهون عليها من نزع حجابها؟ لماذا كان الموت أهون؟

لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها، وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) ..

إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك - لا يتجاوز حدود العادة والتقليد، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة. الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية؟ فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال ..

قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان،ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل، فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس، وتلاعب به الشيطان، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ...

لم تقل شيئاً، بل لاذت بصمت عميق، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ... وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها؟ لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً، ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة، ودعوت لها بالهداية، ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق.

وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها ... ولا تسل عن فرحتي بما رأيت! قالت: إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد، صدقت - حينما وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية، إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم، يا ويلنا من غفلتنا! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام، لا أكتمك أيها الأخ الكريم، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة، لماذا نحن هكذا؟ هل نحن مسلمون حقاًً؟ هل أنا مسلمة؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير