تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أي: من أساء إليهم، بقول أو فعل، لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه. فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء؟

" أولئك "

الذين وصفت صفاتهم الجليلة، ومناقبهم الجميلة

" لهم عقبى الدار "

، فسرها بقوله:

" جنات عدن "

أي: إقامة، لا يزولون منها، ولا يبغون عنها حولا، لأنهم لا يرون فوقها، غاية لما اشتملت عليه من النعيم، والسرور، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات. ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم، أنهم

" يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم "

من الذكور والإناث وكذلك النظراء والأشباه، والأصحاب، والأحباب، فإنهم من قبيل أزواجهم وذرياتهم،

" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب "

يهنئونهم بالسلامة، وكرامة الله لهم ويقولون:

" سلام عليكم "

أي: حلت عليكم السلامة، والتحية من الله حصلت لكم، وذلك متضمن لزوال كل مكروه، ومستلزم لحصول كل محبوب.

" بما صبرتم "

أي: بسبب صبركم، وهو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنان الغالية،

" فنعم عقبى الدار "

. فحقيق بمن نصح نفسه، وكان لها عنده قيمة، أن يجاهدها، لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب، ولعلها تحظى بهذه الدار، التي هي منية النفوس، وسرور الأرواح، الجامعة لجميع اللذات والأفراح، فلمثلها فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون.

" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع "

لما ذكر حال أهل الجنة، ذكر أن أهل النار، بعكس ما وصفهم به فقال عنهم:

" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه "

أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله، وغلظ عليهم، فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم، بل قابلوه بالإعراض والنقض،

" ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل "

فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح، ولا وصلوا الأرحام ولا أدوا الحقوق، بل أفسدوا في الأرض، بالكفر والمعاصي، والصد عن سبيل الله، وابتغائها عوجا،

" أولئك لهم اللعنة "

أي: البعد والذم، من الله وملائكته، وعباده المؤمنين،

" ولهم سوء الدار "

وهي: الجحيم، بما فيها من العذاب الأليم. أي: هو وحده يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء، ويقدره ويضيقه على من يشاء،

" وفرحوا "

أي: الكفار

" بالحياة الدنيا "

فرحا، أوجب لهم أن يطمئنوا بها، ويغفلوا عن الآخرة، وذلك لنقصان عقولهم،

" وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع "

أي: شيء حقير، يتمتع به قليلا، ويفارق أهله وأصحابه، ويعقبهم ويلا طويلا.

" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب "

يخبر تعالى، أن الذين كفروا بآيات الله، يتعنتون على رسول الله، ويقترحون ويقولون:

" لولا أنزل عليه آية من ربه "

وبزعمهم أنها لو جاءت لآمنوا، فأجابهم الله بقوله:

" قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب "

أي: طلب رضوانه، فليست الهداية والضلالة بأيديهم، حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الآيات، ومع ذلك فهم كاذبون، فلو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى، وحشرنا عليهم كل شيء قبلا، ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون. ولا يلزم أن يأتي الرسول بالآية، التي يعينونها، ويقترحونها، بل إذا جاءهم بآية، وتبين ما جاء به من الحق، كفى ذلك، وحصل المقصود، وكان أنفع لهم من طلبهم الآيات التي يعينونها، فإنها لو جاءتهم طبق ما اقترحوا، فلم يؤمنوا بها، لعاجلهم العذاب، ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال:

" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله "

أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها.

" ألا بذكر الله تطمئن القلوب "

أي: حقيق بها، وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أحلى، من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، هو ذكر العبد لربه، من تسبيح، وتهليل، وتكبير وغير ذلك. وقيل: إن المراد بذكر الله كتابه، الذي أنزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا، معنى طمأنينة القلب بذكر الله: أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه، تطمئن لها، فإنها تدل على الحق المبين، المؤيد بالأدلة والبراهين، وبذلك تطمئن القلوب، فإنها لا تطمئن القلوب، إلا باليقين والعلم، وذلك في كتاب الله، مضمون على أتم الوجوه وأكملها، وأما ما سواه من الكتب، التي لا ترجع إليه، فلا تطمئن بها، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة، وتضاد الأحكام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير