فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحةً.
فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا." (روضة المحبين 70)
_وقال تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله في العقود الدرية صـ (5):
" لا تكاد نفسُه تشبع من العلم، ولا تروي من المطالعة، ولا تملّ من الاشتغال، ولا تكلُّ من البحث، وقلّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله."
نم، لقد كان هذا هو دأب العلماء السابقين في القراءة، وتكرارها، والشغف فيها.
ومنفعة التكرار ظاهرة في تثبيت الفائدة، وقد سُئِلَ الإمام البخاري رحمه الله عمَّا يعين على الحفظ؛ فقال: إدامة النظر! (كثرة المطالعة)
وتأمل ما ذكره السُّبكي رحمه الله في طبقاته (2/ 99) عن الربيع المزني _ تلميذ الشافعي رحمه الله _ قال: أنا أنظر في كتاب الرسالة منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيه مرة إلا وأنا استفيد شيئاً لم أكن عرفته "
وبهذا تعلم أهمية العناية بكثرة المطالعة في الكتب وتكرارها، وقد قيل: (قراءة كتاب واحد، أنفع من قراءة ثلاثة كتب)
ومن أجمل المصنَّفات في القراءة والتشويق إليها، كتاب: (المشوق إلى القراءة) للشيخ المحقق علي العمران نفع الله به؛ فهو نفيس في بابه، وسيمر عليك من النماذج والعجائب، ما يجعلك تقف معها أياماً!
2. تيميَّاتٌ نفيسة:
قال الداودي رحمه الله عنه ناقلاً عن الذهبي رحمه الله: (برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبعٍ سيَّال، وخاطرٍ إلى مواقع الإشكال ميَّال، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته، مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل) (1/ 48_ 49)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه مسائل:
الأولى: (واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها)
أما هذه المسألة؛ فقد كان لشيخ الإسلام استنباطات فائقة، واختيارات رائقة، تنبئ عن علم غزير، ونظر ثاقب نحرير، وفي كتابه: (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء) تحريرات نفيسة، وأجوبة عالية الفائدة؛ فرحمه الله من عالم بارع نادر، كما قال عنه المصنِّف: (نادرة دهره)!
والثانية: (فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته)
وهذه نكتة مفيدة، في أهمية العناية بجانب الحفظ في طلب العلم:
والحفظ يكون على فنون:
_ حفظ القرآن، وفهمه ومعرفة معانيه. وفي هذا طرائق وأساليب ومهارات، وأهمها (الإخلاص في الحفظ، والصدق على ذلك)
_ حفظ السنة، وشرحها. مراعية التدرج المفيد لطالب العلم.
_ حفظ الأشعار الدّالة على معنى نفيس، والمؤيدة له (الشواهد) وما يلحقها من أمثال نافعة. تنفع في الاستشهاد بها في الكلمات والمحاضرات والخطب.
_ حفظ قالات العلماء النفيسة، ذات الدلالات الصحيحة الواضحة.
ورحم الله الرَّحبي حين قال في منظومته (الرَّحبية في الفرائض):
فاحفظ؛ فكل حافظ إمام
والثالثة: (مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل)
وإذا كان للحفظ أثر كبير، ومنفعة عظيمة؛ فإنَّ أعظم ثمار هذا الحفظ، أن يقدر طالب العلم على استحضار الأدلة وقت الحاجة.
وهذا ما تميز به الشيخ الأعجوبة ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وهذه ميزة ينبغي أن تكون ظاهرة عند طلبة العلم، و تحصل هذه الميزة بجملة من الأمور:
1. كثرة المطالعة في كتب الأدلة؛ كالمنتقى، (والبلوغ، وهو وصية سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله)
2. حفظ المسألة بدليلها. فمتى ما استظهرت المسألة، اقترن دليلها معها، وهذا نافع أيما نفع، ومن جرب عرف معنى ذلك.
فمن لم يُجؤِّب ليس يعرف قدره * * * فجرِّب تجد تصديق ما ذكرناه
.
3. تمرين الذهن بعرض المسائل بينه وبين نفسه، أي: إنْ عرضت له مسألة لنفسه؛ فلا يخلص مباشرة للحكم (يجوز، لا يجوز ... ) لا، بل ليجري مناظرة بينه وبين نفسه في خاطره بعرض الأدلة ومناقشتها، وكدِّ الخاطر في استدعاء الأدلة؛ ففي هذا المِران، تعويد الذهن على هذا، ومراجعة أصول المسائل بأدلتها، ومتى ما فعلت؛ فقلَّ أن تخونك الأدلة وقت حاجتك إليها.
ولذا؛ فلا تعجب من أن يبيت الشافعي، وقبله أبو حنيفة رحمهم الله في تأمل مسألة، هي من قبيل هذا النوع من المران والعصف الذهني!
4. والأخير، والأولى أن يكون مقدماً؛ الإخلاص والصدق مع الله في الطلب. وهذا أعجوبة العجائب.
هذا ما سنح البال، والله سبحانه أعلم وأحكم
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:07 ص]ـ
استدراك
الحمد لله، وبعد ..
نسيت أن أذكر في خاتمة ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنفس الكتب التي ترجمت له، وعنيت بسيرته، وهو كتاب:
(الجامعُ لسيرةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة خِلالِ سَبعةِ قُرونٍ)
تصنيف وجمع وإعداد
الشيخ محمد عزيز شمس والشيخ علي بن محمد العمران
وبتقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد
تفضل: حمِّله الآن من هنا! ( http://www.waqfeya.com/open.php?cat=17&book=1225)
وإلى نكتٍ مع عالم آخر.
¥