4_ الجَلد في التَّعْلِيم وحُسْن خاتمةٍ في انتظار الصَّلاة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وعقد مجلساً لقراءة صحيح البخاري، وكان يشتغلُ في التفسير من الشروق إلى الزوال، ومن ثَمَّ إلى العصر في البخاري إلى يوم مات.
فإنه فرغ من وظيفة التفسير، وتوجَّه إلى مجلس الحديث؛ فصلَّى النافلة، وجلس ينتظر الإقامة للفريضة؛ فقضى نحبه، متوجِّهاً إلى القِبلة) (1/ 147)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا جملة من الفوائد:
الأولى: النَّفس الطويل في التعليم والمدارسة.
وهذا لا زال معمولاً به عند كبار أهل العلم يبدؤون من الفجر وحتى الزوال أو قبيل الزوال، يتناولون جملة من العلوم والفنون، ومن هؤلاء شيخنا العلامة الدكتور عبد الله بن جبرين حفظه الله؛ فقد حضرتُ بضعة أيام عنده متفرقات وكان يشرح في العقيدة، والتفسير، والنحو، والمصطلح، والفقه، والحديث، وكتب شيخ الإسلام، والشيخ حفظه الله يُعَلِّق على ما يُقرأ.
وحدثني شيخنا العلامة أ. د عمر الأشقر حفظه الله عن دروس سماحة الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله التي حضرها؛ بمثل هذا، وكان أكثر مدة ربما تصل إلى الظهر، وكان أعجوبة في الحفظ الاستظهار، فرحمه الله تعالى.
ومن أعجب ما قرأتُ في الْجَلَدِ على القراءة في التفسير والعناية به، ما قاله الشيخ ابن حميد في ترجمته للشيخ عبد الله بن فائز أبا الخيل _ المتَوَفَّى سنة (1251) أحد علماء نجد _:
(وله مدارسة في القرآن العظيم مع جماعة في جميع ليالي السنة، ويقرءون إلى نحو نصف الليل عشرة أجزاء وأكثر.
وأعرف مرة أنهم شرعوا من سورة الفرقان بعد العشاء وختموا! وكنتُ أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيبلغني النوم؛ فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر، وكان مع القراءة يراجع «تفسير البغوي» والبيضاوي كل ليلة رحمه الله تعالى»
نعم، الموفق من وفقه ربه والله. نسأل الله العلي من فضله.
الثانية: حسن خاتمة هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة، فقد كانت بعد مجلس التفسير، وقبل مجلس الحديث، وفي انتظار الصلاة، فهنيئاً له يبعث يوم القيامة على أشرف حال، وأهنئ مقام، وأجره في انتظار الصلاة إلى قيامة الساعة.
وما كل أحد يُوفَّق لخاتمة حسنة، فمن يعمل صالحاً في حياته يوفق لها، وإلاَّ والعياذ بالله تكون خاتمة على غير مَحْمَدٍ.
أسأل الله لي ولأحبتي في الملتقى حسن الخاتمة.
والله أعلم.
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:21 ص]ـ
متابعة
الحمد لله، وبعد ..
14_ (154) الحسين بن مسعود بن محمد، أبو محمد البغوي الفقيه الشافعي، محيي السنة (ت 516هـ)
صاحب: (معالم التنزيل)
1_النية الحسنة في التصنيف سبب للقبول:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقد بُورِك له في تصانيفه، ورُزِق فيها القبول الحسن؛ بِنِيَّتِه) (1/ 162)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّ الإخلاص، ما أَعْجَبه! فهو الإِكْسِير المُذْهِل!
فالإخلاصُ خُلُقٌ عظيم، وكنزٌ رفيع، ولا يُوَفَّق له كل أحد بعد حُسْنِ المعْتَقَد، بل هو من أشدّ الأخلاق على العارفين معالجة له، ولَكَمْ اجتهد السلف رضوان الله عليهم في إخلاص نياتهم، وما هذا إلاّ لأنَّ صلاح الأعمال موقوفٌ على الإخلاص؛ فهو عزيز، نسأل الله الكريم من فضله.
وهذه قاعدة عظيمة النفع جداً؛ فإنه ينبغي على طالب العِلْم؛ متى ما رُزِق فَتْحاً وتفنُّنَاً في بابِ التَّصنِيف والتَّألِيف، أن يتعاهد هذا الأمر ويعتني به عنايةً فائقة جداً؛ ومتى ما فعل ذلك؛ فليُبْشِر بالفُتُوحاتِ الإلهية، والمِنَح الربَّانية.
ومن هنا كان الإمام البغوي رحمه الله مُوفَّقاً في تصانيفه؛ لِحُسْن نيته، ونقاءِ سريرته، ولذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله عن مُصنَّفاته:
(بُورِك له في تصانيفه، و رُزِق فيها القَبول التام؛ لِحُسْن قصْدِه، و صِدْق نِيَّته. و تنافس العلماءُ في تحصِيلِها) السِّير (14/ 439)
وهكذا كان السلف رحمهم الله تعالى في أعمالهم العلمية والعبادية.
ودونك نماذج من سِيَرِهم، وعلى رأسهم أنموذج من حياة شيخ المفسرين:
¥