_الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، فها هو يحكي حاله عن تفسيره فيقول: (استخرتُ الله، و سألتُه العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله بثلاث سنين فأعانني)
الله أكبر.
ثلاث سنوات يستخير قبل التأليف! إنها هِممٌ كالجبال.
نعم، إنه همُّ من يريد نفع الإسلام وأهلِهِ بأكبر قدْرٍ، وأعظم نفعٍ؛ فأحسنَ قصدَه، وأنبلَ مَرْماه؛ فجاءت مجالسه بأعظم كتاب في التفسير؛ فرحمه الله رحمة واسعة.
_ وإمام الأئمة ابنُ خزيمة رحمه الله، يُسطِّرُ للتاريخ فيحدِّث قائلاً شأنه في التَّصنِيف:
(كنتُ إذا أردتُ أن أصنِّف الشيءَ، أدخلُ في الصلاة مُستخيراً حتى يُفتَح عليَّ، ثم أبتدئُ التصنيف) السير (14/ 396)
_ وأَيْنَك من الإمام مالك، صاحب الموطأ، فقد قيل له حين عزم على جمعه وتصنيف، أتُؤلِّف موطأً والموطَّآت كثيرة؟
فقال قولته الشهيرة: (ما كان للهِ فَسيَبْقَى، وما كان لِغَيره؛ فَسيَضْمَحِل)
فليت شعري، أين الموطَّآت الآن أمام موطأ الإمام مالك رحمه الله؟
إنه وربي الإخلاص؛ فأعْظِم به من عملٍ جزيل، يقود لرضى الجليل.
إن من أعظم معايير القبول وأسباب النفع: الإخلاص لله تعالى، والتجرد للحق، وقصد النفع للإسلام والمسلمين، فمن يكتب؛ فليكتب لهذه وإلا فلا يتعب، إذ لن يجني من عمله سوى الكدّ، والتعب، ورداء الفكرة. (ومن يهن الله فما له من مكرم)
ويقول ابن القيم رحمه الله: ((وقد جرت عادة الله التي لا تُبدّل وسنّته التي لا تحوّل؛ أن يُلْبَس المخلص من المهابة، والنُّور، والمحبَّة في قلوب الخلق، وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه، ونِيَّته ومعاملته لربه، ويُلْبَس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقْتِ، والمهانة، والبُغْضة ما هو اللائق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء)) إعلام الموقعين (6/ 106)
فَإِنْ أَرَدْتَ أَحْسَنَ التَّوَاصِي * * * فَطيِّبِ الأَعْمَالَ بالإِخْلاَصِ
2_عالمٌ لَمْ يَحُجّ:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقد جاوز البغوي الثمانين ولم يَحُجّ) (1/ 162)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
عالمٌ خدم الكتاب والسنة، ولم يتسنَّ له الخروج للحج.
أفلا يحج عنه أحد أبناء المسلمين تقديراً لجهوده العلمية المباركة.
ولَإن كان ابن حزم رحمه الله لم يحج على _ الصحيح _ فقد حج عنه غير واحدٍ من المعتنين بكتبه وبمذهبه؛ فهلَّا حج عن الإمام البغوي أحد محبيه، ومنتفعي كتبه؟
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:22 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
15_ (162) خلف بن هشام (150 _ 229هـ)
1_النفقة في العلم:
قال الداودي رحمه الله عن المقرئ فيما يحكيه عنه: (أشكل عليَّ بابٌ من النحو؛ فأنفقتُ ثمانين ألف درهم، حتى حَذِقْتُه) (1/ 168)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه إشارة طيبة إلى باب أهمية النفقة، وحمل النفس عليه؛ باب النفقة في العلم وللعلم، وإن كثرت.
ولا يصل لهذه المرتبة الكريمة، إلا رجل قد شغف حب العلم قلبه وروحه، وخالط دمه، سيما في عصرنا هذا.
فعِدَّةُ طالب العلِم اليوم من بيت رحب، و كتب، وأرففٍ، وورق، وملزمات، وأقلام، وتجليد، وتصوير أوتغليف، ومقتنيات العصر وتكنولوجياته (حاسوب، طابعة، ماسح ضوئي و. . و .. )، أصبحت حاجة ماسة للاستزادة والاستفادة من العلم وتقريبه.
وكل هذا يدخل في النفقة في العلم وللعلم، ومتى ما أحسن المرء النية، وعقد القلب في بذل جميع ذلك تقرباً إلى الله تعالى، هانت عليه الأمور، وذلَّل الله له الصعاب.
ومن طالع سير أهل الحديث على الخصوص، وجد أمراً عجباً في النفقة على طلب الحديث، تبلغ مئآت الآلاف؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وقد قال الحسن: أعظم النفقة؛ النفقة في العلم.
قال حبَّان بن موسى: (عوتب ابن المبارك فيما يُفرِّق من المال في البلدان دون بلده.
فقال: إني أعرف مكان قوم، لهم فضل وصدق , طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم.
احتاجوا!
فإن تركناهم ضاع علمهم , وإن أعنَّاهم بثُّوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعلمُ بعد النُّبوَّة أفضل من بثِّ العلم.).تاريخ دمشق (32/ 455)
لله درُّ هذا الإمام العالم العامل المجاهد، وفي هذه القصة فوائد وشجون، وخلاصة المعادلة:
الفقر = العلماء؛ فأين من يعتني بأهل العلم، ويقدِّر جهودهم وصنيعهم، ويكفل أمر معاشهم؛ ليتفرَّغوا لخدمة الدين وأهله. نسأل الله الكريم من فضله.
2_تكميلُ نقصٍ، وتوضيحُ نصٍ:
قال الداودي رحمه الله عنه يحدِّث عن نفسه: (أعدتُ الصلاة أربعين سنة) أهـ (1/ 168)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
هذا النقل في الطبقات ناقص، والقارئ يستشكل سبب ذلك، ولن يعرف سببه أوالمراد منه لو اقتصر عليه، وحين يقارن مع كتب التراجم الأُخر يجد ما يزيل الإشكال.
والعبارة مع التكميل كالتالي: (أعدتُ الصلاة أربعين سنة؛ كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين) انظر: السِّير (10/ 576) وغيرها
وذلك لأن مذهب الكوفيين أن الخمر فقط من العنب! ولذا فقد رد القرطبي عليهم قالته ومذهبهم فقال:
(الأحاديث الواردة عن أنس وغيره، على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب , وما كانت من غيره فلا تسمى خمرا ولا يتناولها اسم الخمر , وهو قول مخالف للغة العرب، والسنة الصحيحة، وللصحابة)
وتفصيل هذه المسألة في كتب الفقه، والمراد هنا توضيح المُشْكِل.
والله أعلم
¥