لذا؛ فلا تعجب أن تجد كلام أهل العلم الكبار الثقات الفحول يقولون فيه ما يقولون؛ فالقول كما شاهدوا؛ فلا يهوِلَنَّك ذلك؛ فالرجل قد بلغ، وقد أخلص، وما على المُخْلِص إلا التوفيق من العلي القدير.
ودونك بعضاً من كلامهم في أبي محمد الهلالي محدِّث الحرم المكي، ولا فخر.
أ. قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ما رأيت أحداً فيه من آلة العلم ما في سفيان، وما رأيت أحداً أكفَّ عن الفتيا منه، وما رأيت أحداً أحسن لتفسير الحديث منه)
ب. قال الإمام أحمد رحمه الله: (ما رأيت أعلم بالسنن منه)
ج. قال الشيخ العجلي رحمه الله: (كان ابن عيينة ثبْتاً في الحديث، وحديثه نحو سبعة آلاف، ولم يكن له كتب)
د. قال ابن مهدي رحمه الله: (عند سفيان بن عيينة من المعرفة بالقرآن، وتفسير الحديث مالم يكن عند الثوري)
هـ. قال حمَّاد بن يحيى: سمعتُ ابن عيينة يقول: رأيت كأنَّ أسناني سقطت؛ فذكرته للزهري؛ فقال: يموت أسنانك وتبقى؛ فمات أسناني، وبقيت؛ فجعل الله كل عدو لي محباً)
وأما سبب هذا الزَّحام على ابن عينة رحمه الله؛ فيقول الإمام الذهبي في ترجمته: (ولقد كان خلق من طلبة الحديث، يتكلَّفون الحج، وما المحرِّك لهم سِوَى لقي سفيان بن عيينة؛ لإمامته وعلو إسناده) السير (8/ 457).
2_ هل العِلْم يضر؟:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال: العلم إذا لم ينفعك ضرك) (1/ 198)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
سبحان الله!
العلمُ يَضُرُّ؟
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا ممن ثلاث: وذكر: علم نافع)
يفهم من هذا، أن هناك علماًَ غير نافع.
تأمَّل _ نفعني الله وإياك _ هذه المقولات الرائقة في بيان العلم:
1_ قال الحسن: العلم علمان؛ فعلم في القلب؛ فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على بن آدم. (مجموع الفتاوى 18/ 303 وجامع العلوم والحكم 343)
والمراد: بعلم القلب؛ ما دفعك للخشية من ربك، وزانك بالصالحات والقربات والطاعات.
لا العلم الذي تكون فيه مكثاراً باللسان، مقلاً بالأركان.
ولأجله قال كثير من أهل العلم الكبار: ليتنا ما علمنا، ولا تعلَّمنا، ولا تكملنا في العلم!
وهذا معلوم عند كل ذي بصيرة أنه محمول من باب شدة خوفهم وورعهم رحمهم الله تعالى، وخشية أن يكونوا قد قصَّروا في جنب الله، أو أفتوا بالخطأ.
وعلمهم وعملهم بين الأجر والأجرين رحمهم الله تعالى.
فإن علومهم من خير العلوم في تفسير كتاب الله وسنة نبينه صلى الله عليه وسلم؛ فالزم هُدَاهُم، وبِهُداهُم اقْتَدِه.
2_ قال مطر: خير العلم ما نفع؛ وإنما ينفع الله بالعلم من عَلِمه ثم عمل به؛ ولا ينفع به من عَلِمه ثم تركه. (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 90)
3_ قال مالك بن دينار: إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً. (اقتضاء العلم العمل 32)
ومراده رحمه الله بكسر العلم له: أن يتواضع فلا يتعاظم ويتكبر ويشمخ بنفسه ويزدري عباد الله.
فليكن لسان حاله:
إن حفظتُ القرآن يكون ماذا؟
وإن حفظتُ الصحيحين أي شيء في هذا؟
وإن بلغتُ الدرجات العليا من الشهادات أي شيء كائن فيه؟
تالله إنها زيادة حجة وتكليف لا تشريف.
وهكذا النَّبِيه؛ يوظف العلم لخدمة نفسه ونفعها لا لهلاكها، ورمُتك عاقلاً أيها القارئ؛ فمثلك فَطِنٌ.
4_ قال الحسن: تعلَّموا ما شئتم أن تعلموا؛ فلن يجازيكم الله على العلم حتى تعملوا؛ فإن السفهاء همتهم الرواية، وإنَّ العلماء همتهم الرعاية. (اقتضاء العلم العمل 35)
5_ قال مالك بن دينار: سألت الحسن عن عقوبة العالم، قال: موت القلب، قلت: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة) (الزهد 265)
6_ وما أحسن كلام الخطيب رحمه الله حين قال في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (1/ 77 - 78) في سمة طالب العلم:
¥