وقال المناوي في التوقيف: (النِّحْرِير العالم المُتْقِن، من نحر الأمور عِلْماً؛ إذا أتقنها كما يقال: قتلها)
والنّحْريرُ ليس من كلام العرب وهي كلمة مولّدة، كما قال الأصمعي (أفادة السيوطي في المزهرفي النوع الحادي والعشرين: معرفة المولَّد)
فرحم الله أبا القاسم الأنصاري أي علم مَلَك؟
وهذا مما دعى الحافظ ابن عساكر في تاريخه: (21/ 477) أن يصفه بقوله: (وهو من جملة الأفراد في علم الأصول والتفسير) أهـ
فلمَّا تميَّزفي علمه، وعلت رايات الغزارة والتمكُّن؛ كان من أفراد أهل العلم المتقنين له.
2_ تبيين مُبْهم:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وكانت معرفته فوق لسانه، ومعناه أكثر من ظاهره) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
كنت قد قيدتُ على نسختي عند هذه الفقرة، عنوانا ً؛ وهو: أهمية جوامع الكلم للعالم. وهذا بداهة.
وكنت أحسب أنها: من سعة علم هذا العالم النحرير، أن كلامه موجز، ولكن يحمل في طياته معارف كثيرة وعلوماً متنوعة. وهذه صفة مدح ولا شك.
نعم، قنعت بهذا التفسير، ثم لمَّا قلبَّتُ النظر في النص، احتجت للرجوع لأكثر من مصدر لأستوثق صحة فهمي من خطئه.
فوجدت ابن عساكر يقول في تاريخه قبل هذا النص أعلاه: (كان بصيراً بمواضع الإشكال، مع قصور في تقرير لسانه)
فانكشف لي خلاف ما ظننت وبهذا النص بُيِّن ما أستشكلته.
وحينها خطر على خاطري بعض أهل العلم في عصرنا ممن يحسن التصنيف، وسكب المؤلفات، وترصيع الكلمات، ولكنه إن حاضر أو تكلم، ربما كان في حديثه بعض قصور، بخلاف سلاسة قلمه في أوراقه.
فقلت لعل هذا من ذلك، وكل يجود بما لديه، مما فتح الله عليه. والله أعلم.
3_ الدِّين من أجلِّ سمات الواقف على الكتب والمكتبات:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وأُقْعِد في خِزانة الكتب بنظامية نَيْسابور اعتماداً على دينه) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
ما أعزَّها من نكتة.
تالله إن هذه السمة من أهم ما ينبغي أن يُعْتنى بها؛ فالعالِم مستأمنٌ على العلم، ولا ينفع للعلم فاقد الدِّين، مهما علا كعبه، وارتفع صيته _ في الغالب _
وأيننا اليوم من هذه السُّنَّة الموؤدة!
حتى خرجت علينا دور النشر والمكتبات تنادي على نفسها بأن جعلت القيِّم على تراثها ربما لا يُحْسِن التعامل معها، فضلاً عن معرفة موضوعها، وتصنيفها، أو الاهتمام بتحقيقها، وتخريجها، وحسن إخراجها، وفك مخطوطاتها.
لقد بات الأمر عندهم _إلا من رحم الله _ مادياً (الأقل راتباً)، ولو كان الأسوء تحقيقاً وتنقيحاً وتدقيقاً. وإلى الله المشتكى
فهذه دعوة إلى اختيار العالم ذي الدِّين المحقِّق النِّحرير المدقِّق حتى نتخلص من عبث الكثير في تراثنا العلمي الزاخر.
4_ عالم يخاطب الجن:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال أبو نصر عبد الرحمن بن محمد الخطيبي:
سمعتُ محمود بن أبي توبة الوزير يقول: مضيتُ إلى باب بيت أبي القاسم الأنصاري؛ فإذا الباب مردود، وهو يتحدَّث مع واحدٍ؛ فوقفتُ ساعة، وفتحت الباب؛ فما كان في الدار غيره!
فقلت: مع من كنت تتحدَّث؟
فقال: كان هنا واحدٌ من الجن، كنت أكلِّمه)
) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا من ظريف ولطيف هذا العالم، وقد كان بعض العلماء يُسْأل من قِبَل إخواننا من الجن.
وقد وقع مثل هذا كثيراً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل كان بين الجن وبعض العلماء مودَّات ومناصرات ودعوات، وهذا مشهور معروف في سير العلماء وكتب التراجم.
والله أعلم
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 10 - 10, 12:44 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
21_ (191) سُلَيم بن أيوب بن سُلَيم، أبو الفتح الرَّازي (447هـ)
1_ طلب العلم في الكبر:
قال الداودي رحمه الله عنه: (تفقَّه وهو كبير) (1/ 202)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
والسِّنُّ لا مدخل له في العلم، والصغر والكِبَر على السَّواء في الطلب، بيد أنَّه في الصغر أنفع وأثبت وأقوى، وإنما العبرة في أمرين:
الأول: البراعة في العلم والتمكُّن منه والاحتياج إليه.
الثاني: الإذن من أشياخه.
وهذا ما عُرِف عن أهل العلم في السابق؛ فلم يجيزوا لأحد بالتَّحديث أو الإفتاء ما لم يحصل على أحد هذين الشرطين.
¥