"من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}
[فاطر: 3235].
قد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب، دليل على أن الله اصطفاها في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] وبين أنهم ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه، وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضاً فهو الذي قال الله تعالى في فيه {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102].
والثاني: المقتصد وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات
والثالث: السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد
الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف المعياد في قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] إلى قوله تعالى: {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] ".
وهذه هي النقطة التي نريد نقاشها الآن
هل نحن وارثون على الحقيقة؟
تابع كلامه رحمه الله:
"والواو في {يدخلونها} شاملة للظالم، والمقتصد والسابق على التحقيق. ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متصلاً بها {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] إلى قوله: {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: 37].
واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق:
فقال بعضهم: قدم الظالم لئلا يقنط، وأخر السابق بالخيرات لئلا يعجب بعمله فيحبط.
وقال بعضهم: قدم الظالم لنفسه، لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم. كما قال تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ}
[ص: 24] "
الكلام باختصار:
آية سورة فاطر مدخل لنا لما نريده من كلام
فكلام صاحب الأضواء في تفسير المائدة وسورة النور
ملخص كلامه: أن الاصطفاء الحاصل للأمة كان بالكتاب فكل من حمل كتاب الله دخل في الاصطفاء، وقال جملة عجيبة نقلها عن بعض أهل العلم: {جنات عدن يدخلونها} الواو في {يدخلونها}: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين.
هناك آراء كثيرة أن الظالم لنفسه ليس داخلاً في هذا، لكن التحقيق أنه داخل.
الآن القضية التي تهمنا: أن دخول الشخص في هذه الأوصاف الثلاثة سواء انخفضت مرتبته للظالم أو ارتفعت إلى السابق بالخيرات؛ أهم مسألة كونه قَبِلَ اصطفاءَ الله له، وقبول الاصطفاء هو
التعلق بوراثة هذا الكتاب، لذا ذكرنا في وسط الكلام أن إيراث الأمة هذا الكتاب دليل على أن الله اصطفاها.
فكأنها وقفة محاسبة
هذا الذي ورثناه، وأصبح به العباد من أهل الاصطفاء؛ هل حققوا مما يجب عليهم في هذا الاصطفاء ولو نصيبًا؟
لذلك الآن مما يُشكل أن القوم يتجاهلون مسألة التدبّر، ويحملون أنفسهم على واحد من اثنين:
1) القراءة السريعة لكتاب الله عز وجل
2) الحفظ السريع، والتركيز على إنجاز المحفوظ أكثر من فهم المقصود
وما هذا إلا لغياب معنى الاصطفاء في الذهن.
¥