الشيخ محمد الخلوتي».
تحقيق المراد به:
تقرر فيما سبق أن مصطلح (رواه الجماعة) من صنع الخلال، واستعمله في كتابه (الجامع)، وهذا يحتم على الباحث النظر إلى مراد واضعه، وقصده من اصطلاحه ما أمكن، والذي يظهر لي من المواضع التي وقفت عليها وساق فيها الخلال مصطلحه (رواه الجماعة) أنه لم يقصد به عدداً مقدراً، أو معدوداً محدداً بعينه، وقد دل على هذا ما يأتي:
1 ـ قال الخلال في باب (الصغير يؤسر مع أحد أبويه) ([130]): «قال أبو بكر ([131]): روى هذه المسألة أربعة أنفس عن أبي عبد الله بخلاف ما قال علي ابن سعيد ([132])؛ وما روى علي بن سعيد، فأظن أنه قول لأبي عبد الله ثم رجع إلى أن يحمل ولا يترك، وهو مسلم إن مات أو بقي، وهو أشبه بقول أبي عبد الله وبمذهبه ... والذي اختار من قول أبي عبد الله ما روى عنه الجماعة؛ لأن لا يترك، وبالله التوفيق».
وهذا النص سبقه ذكر الروايات في المسألة، فنقل علي بن سعيد عنه ما يدل على أن الصبي إذا أسر يسلم لأهل دينه في أحد حصون الروم.
ونقل أبو بكر المَرُّوذِي، ويعقوب بن بختان ([133])،وإسحاق بن إبراهيم ([134]) عنه أنه يحمل ولا يترك ([135]).
والملاحظ أن الخلال أطلق الجماعة في هذه المسالة على أولئك العدد الذين نقلوا هذه الرواية عن أحمد بخلاف ما نقل علي بن سعيد، وهم يقلون عدداً، ويختلفون ذواتاً عن المصطلح الذي قرره بعض المتأخرين من الأصحاب، فحصروه في عدد ومعدود محددين.
2 ـ جاء في مسألة تبعية الصغير لأبويه الكافرين أو أحدهما حال وجودهما وكفالتهما له، أو أحدهما روايات عن الإمام أحمد، اختار الخلال منها ما رواه عنه الجماعة، وممن رواها عنه إسحاق بن منصور ([136])، وإسحاق بن إبراهيم، فجعلهما الخلال من الجماعة، وهما لا يدخلان عند من حصرهم بأولئك الرواة ([137]).
3 ـ روى يعقوب بن بختان عن أحمد في الجزية، هل للإمام التخفيف عن الكفار منها؟ فقال: لا.
ونقل أبو بكر الأثرم، وأبو طالب، وأحمد بن القاسم ([138])، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم في الجزية أن للإمام أن يزيد وينقص فيها، وليس لمن دونه ذلك ([139]).
قال أبو بكر الخلال ([140]): «والذي عليه العمل من قول أبي عبد الله أنه للإمام أن يزيد في ذلك وينقص، وليس لمن دونه أن يفعل ذلك، وقد روى يعقوب بن بختان خاصة عن أبي عبد الله أنه لا يجوز للإمام أن ينقص من ذلك، ثم روى عن أبي عبد الله أصحابه في عشرة مواضع أنه لابأس بذلك، ولعل أبا عبد الله تكلم بهذا في وقت العمل من قوله على ما رواه الجماعة، بأنه لابأس للإمام أن يزيد في ذلك وينقص ... » ا. هـ.
4 ـ ذكر الخلال ([141]) أن الجماعة نقلوا عن أحمد كراهية ([142]) التزويج بإماء أهل الكتاب، وممن نقل ذلك أبو داود ([143])، وأبو طالب، والمَرُّوذِي، وإسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم ([144])،وصالح ([145])،والميموني ([146])، وغيرهم.
ونقل أحمد بن القاسم عن أحمد قوله: «إن الكراهية في ذلك ليست بالقوية ... » ([147]).
وفي رواية الأثرم أجاب بذكر الاختلاف ([148])، ثم قال الخلال ([149]): «لم ينفذ لأبي عبد الله قول يعمل عليه في هذا، وإنما حكى قلة تقوية ذلك عنده، والعمل على ما روى عنه الجماعة من كراهيته ذلك. وبالله التوفيق» ا. هـ.
5 ـ جاء في باب (الرجل يتبع قرابته المشرك). يعني جنازته، وبعد أن ساق الروايات فيه قال الخلال ([150]): «قال أبو بكر الخلال: كأن أبو عبد الله لايعجبه ذلك في مسألة محمد بن موسى ([151])، ثم روى هؤلاء الجماعة أنه لا بأس ... ».
ومن الجماعة المشار إليهم بقوله: «هؤلاء الجماعة» ممن ساق روايتهم في ذلك: محمد بن الحسن بن هارون ([152])، وأبو طالب، وحنبل، وإسحاق بن منصور، وصالح ([153]).
6 ـ جاء في باب (أم ولد النصراني تسلم)، وبعد أن ذكر الروايات في الباب قال ([154]): «قلت: الذي أذهب إليه من قول أبي عبد الله بعد ما روى عنه الجماعة التوقف، والاحتجاج في الأقاويل ما حكى عنه إسحاق ابن منصور، والمشكاني ([155]) أنه ممنوع من وطئها وبيعها ... وإذا مات فهي حرة».
¥