فقوله: «بعد ما روى عنه الجماعة التوقف». يعني بالجماعة أولئك الرواة الذين ذكر رواياتهم في هذا الباب، وهم: أبو بكر المَرُّوذِي، والفضل بن زياد ([156])، وأبو طالب، ويوسف بن موسى ([157])، وحرب، وهذه الروايات تفيد توقف الإمام أحمد ([158]).
ومما تقدم من النقول الستة يلاحظ أن هذا المصطلح (رواه الجماعة) لم يضبط بعدد أو معدود لدى الخلال، بل نرى أن عدداً من الرواة قلة أو كثرة يتفاوتون حين النص على هذا المصطلح، مما يدل على عدم تحديدهم واختلاف أعيانهم، وهذا مخالف لتحديد بعض المتأخرين.
وقد سار سير الخلال في عدم التحديد بعدد أو معدود جمع من الأصحاب من المتوسطين والمتأخرين، وهذه بعض النصوص الدالة على هذا:
1 ـ جاء في كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى ([159]) في مواطن كثيرة تدل على ما تقرر آنفاً، منها:
أ) قال القاضي في مسألة العدد المشترط في تطهير نجاسة الكلب والخنزير ([160]): «فنقل الجماعة: صالح، وعبد الله، وابن منصور، أنه يجب غسلها سبعاً إحداها بالتراب».
ب) وقال في المسألة التي تليها ([161]): «فنقل الجماعة، منهم: أبو الحارث ... ».
وأبو الحارث هو: أحمد بن محمد الصائغ ([162])، وهو ممن لا يشمله المصطلح عند من حدده.
ج) وقال أيضاً في مسألة طهارة جلود الميتة بالدباغ ([163]): «فنقل الجماعة، منهم: صالح، وعبد الله، والأثرم، وحنبل، وابن منصور، وأبو الصقر ([164]) أنها لا تطهر بالدباغ ... ».
د) وقال في مسألة وجوب المضمضة في الطهارة الصغرى ([165]): «فنقل الجماعة، منهم: إبراهيم بن هانئ ([166]) أنها واجبة ... ».
هـ) وقال في مسالة تنشيف الأعضاء من ماء الوضوء ([167]): «فنقل جماعة منهم: أبو داود، ويعقوب بن بختان، وصالح أنه غير مكروه …».
و) وقال في مسألة بطلان التيمم بخروج الوقت ([168]): «فنقل الجماعة، ومنهم: أبو طالب، والمَرُّوذِي، وأبو داود، ويوسف بن موسى أنه يبطل بخروج الوقت ... ».
ز) وقال في مسألة ابتداء مدة المسح ([169]): «فنقل الجماعة: بكر بن محمد ([170])، والفضل، وأبو الحارث، وصالح من وقت الحدث بعد لبس الخف».
ح) وفي المسألة التي تليها ([171]) قال: «فنقل الجماعة: صالح، وحنبل، وأبو داود، ويوسف بن موسى، يستأنف الوضوء».
ط) وقال في مسألة ما يجب بوطء الحائض مع العلم بالتحريم ([172]): «فنقل الجماعة، منهم: المَرُّوذِي، وإسماعيل بن سعيد ([173]) يتصدق بدينار أو بنصف دينار».
ي) وقال في مسألة أكثر الحيض ([174]): «فنقل الجماعة، منهم: أبو داود، والفضل بن زياد، والميموني، وإسحاق بن إبراهيم».
ك) وقال في مسألة قراءة الفاتحة هل تتعين في الصلاة؟ ([175]): «فنقل الجماعة، منهم: إسحاق بن إبراهيم، وأبو الحارث، وعلي بن سعيد أنها تتعين».
ل) وقال في مسألة البسملة هل هي من فاتحة الكتاب؟ ([176]): «فنقل الجماعة، منهم: عبد الله، ومهنا ([177])،وإسحاق بن إبراهيم، وابن مشيش ([178])، وحنبل، وأبو طالب أن قراءتها تستحب في الصلاة، وإن سها أن يقرأها أجزأته صلاته، وهذا يدل على أنها ليست آية من الفاتحة ... ».
م) وقال في مسألة صفة الدية المغلظة ([179]): «فنقل الجماعة: أبو الحارث، وبكر بن محمد، وحرب، وابن منصور أنها أرباع ... ».
ن) وقال في مسألة إلحاق الطفل المسبي مع أحد أبويه لأحدهما في الدين ([180]): «نقل الجماعة، منهم: صالح، والميموني، وابن إبراهيم إذا سبي مع أحد أبويه فهو مسلم. فظاهر هذا أنه تابع للسابي في الدين ... قال أبو بكر: ما رواه الكوسج قول أول، والعمل على ما رواه الجماعة أنه مسلم».
س) قال في مسألة إذا خير زوجته فاختارت زوجها فهل يقع الطلاق؟ ([181]): «فنقل الجماعة، منهم: أبو الحارث، وأبو طالب، والمشكاني ([182]): لا يقع الطلاق. ونقل ابن منصور أنها طلقة رجعية. قال أبو بكر: العمل على مارواه الجماعة».
فهذه النقول الكثيرة ([183]) تدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن مصطلح (رواه الجماعة) غير محدد بعدد، أو معين بذوات كما قرره بعض متأخري الأصحاب.
2 ـ جاء في كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة، لأبي يعلى ([184])، في مواطن منه تؤيد ما سبق تقريره، منها:
¥