وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر: إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعيَّن على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يكون تاماً، فاتفق في تلك السنة نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء واستهلَّ شهر ذي الحجة ليلة الخميس. ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع.
وهذا التقرير على التقدير لا محيد عنه ولا بد منه. والله أعلم.
وقال ابن قيم الجوزية فصل: ومنها: وهم آخر لبعضهم،ذكر الطبري في (حجة الوداع) أنه خرج يوم الجمعة بعد الصلاة.
والذي حمله على هذا الوهم القبيح قوله في الحديث: خرج لست بقين،فظن أن هذا لا يمكن إلا أن يكون الخروج يوم الجمعة،إذ تمام الست يوم الأربعاء،وأول ذي الحجة كان يوم الخميس بلا ريب،وهذا خط فاحش،فإنه من المعلوم الذي لا ريب فيه،أنه صلى الظهر يوم خروجه بالمدينة أربعاً،والعصر بذي الحليفة ركعتين،ثبت ذلك في (الصحيحين).
وحكى الطبري في حجته قولاً ثالثاً: إن خروجه كان يوم السبت،وهو اختيار الواقدي، وهو القول الذي رجحناه أولاً،لكن الواقدي،وهم في ذلك ثلاثة أوهام،أحدها: أنه زعم أن النبي e صلى يوم خروجه الظهر بذي الحليفة ركعتين.
الوهم الثاني: أنه أحرم ذلك اليوم عقيب صلاة الظهر،وإنما أحرم من الغد بعد أن بات بذي الحليفة.
الوهم الثالث: أن الوقفة كانت يوم السبت،وهذا لم يقله غيره،وهو وهم بيِّن.
انظر زاد المعاد (2/ 277).
قلت: ونص ما ذكره محب الدين الطبري في كتابه حجة المصطفى e :
( وخرج e إلى مكة فأخذ على طريق الشجرة وكان e يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر).
قال الملا:وقيل أنه صلى الجمعة بالمدينة ثم صلى العصر والمغرب والعشاء بذي الحليفة. وقيل: كان توجهه يوم السبت لخمس بقين وصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم عند صلاة الظهر من يومه ذلك، قال الواقدي: وهذا هو الحديث الثبت عندي.
وهذا يستقيم على ما نقله: أن الوقفة كانت بالسبت وأما على ما جاء في الصحيح أنها بالجمعة فلا يستقيم إلا أن يكون الشهر ناقصاً ويكون قوله: بقين على ما ظن لا على ما وقع، قال ابن حزم: وكان يوم الخميس لست بقين والذي جاء في الصحيح: لخمس بقين. انظر حجة المصطفى e لمحب الدين الطبري ص 11 – 12. 3 - قال ابن قيم الجوزية: فصل: ومنها: وهم للقاضي عياض رحمه الله وغيره،أنه e تطيب هناك قبل غسله،ثم غسل الطيب عنه لما اغتسل.
ومنشأ هذا الوهم،من سياق ما وقع في (صحيح مسلم) في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((طيَّبت رسول الله e ، ثم طاف على نسائه بعد ذلك ثم أصبح محرما)) والذي يردُّ هذا الوهم،قولها: طيَّبت رسول الله e لإحرامه، وقولها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب، أي بريقه في مفارق رسول الله e زاد،وهو محرم،وفي لفظ: وهو يلبي بعد ثلاثٍ من إحرامه، وفي لفظ: كان رسول الله e إذا أراد أن يحرم، تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك، وكل هذه الألفاظ ألفاظ الصحيح.
قلت: أخرجه مسلم (1189) (38) (1190) (39) (41) (44).
وأما الحديث الذي احتج به، فإنه حديث إبراهيم بن محمد المنتشر، عن أبيه، عنها: كنت أطيب رسول الله e ، ثم يطوف على نسائه، ثم يصبح محرماً.
وهذا ليس فيه ما يمنع الطيب الثاني عند إحرامه.
وقال ابن حزم: وأما قولنا: ثم طيبته عليه السلام عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بيديها. بذريرة وبطيب فيه مسك. ثم أحرم ولم يغسل الطيب عن نفسه.
ثم ساق الأحاديث التي في صحيح مسلم التي ذكرها ابن قيم آنفاً. انظر حجة الوداع لابن حزم ص134.
قال محب الدين الطبري: قال ابن حزم: إنه لم يغسل الطيب وقالت: عائشة كنت أطيب رسول الله e ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً.
ولعلها طيبته بالذريرة بعد هذا الغسل ولم يرد أنه اغتسل للإحرام بعد هذا الغسل غير أن الدار قطني، روى عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي e : كان إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان، ولعله e نوى بذلك الغسل رفع الحدث، وأداء العبادة، وغسل رأسه فيه بخطمي وأشنان. انظر حجة المصطفى e لمحب الدين الطبري ص13.
¥