تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن كثير: بعد سوقه لأحاديث عائشة في تطييب النبي e التي ذكرها ابن قيم:

(فهذه الأحاديث دالة أنه عليه السلام تطيِّب بعد الغسل، إذ لو كان الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقي له أثر، ولا سيما بعد ثلاثة أيام من يوم الإحرام).

قلت: ومنشأ هذا الوهم الاختلاف في جواز التطيب للمحرم قبل الإحرام بما يبقى عليه بعد الإحرام.

وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (2/ 254 - 257)

[واختلفوا: في جواز الطيب للمحرم قبل الإحرام بما يبقى عليه بعد الإحرام، فأجاز ذلك قوم وكرهه آخرون.

واحتج بهذا الحديث كل من كره الطيب عند الإحرام وقالوا لا يجوز لأحد إذا أراد الإحرام أن يتطيب قبل أن يحرم ثم يحرم، لأنه كما لا يجوز للمحرم بإجماع أن يمس طيبا بعد أن يحرم فكذلك لا يجوز له أن يتطيب ثم يحرم لأن بقاء الطيب عليه كابتدائه له بعد إحرامه سواء لا فرق بينهما. واحتجوا بأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدا لله بن عمر وعثمان بن أبي العاص كرهوا أن يوجد من المحرم شيء من ريح الطيب ولم يرخصوا لأحد أن يتطيب عند إحرامه ثم يحرم، وممن قال بهذا من العلماء عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله على اختلاف عنه، ومالك بن أنس وأصحابه ومحمد بن الحسن

رواه ابن سماعة عنه. وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي.

ومن حجة من قال بهذا القول من طريق النظر أن الإحرام يمنع من لبس القمص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب ومن قتل الصيد وإمساكه فلما اجمعوا أن الرجل إذا لبس قميصا أو سراويل قبل أن يحرم ثم أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه وتركه كان كمن لبسه بعد إحرامه لبساً مستقبلاً ويجب عليه في ذلك ما يجب عليه لو استأنف لبسه بعد إحرامه وكذلك لو اصطاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده ثم أحرم وهو في يده أُمر بتخليته وإن لم يخله كان إمساكه له بعد أن أحرم كابتدائه الصيد وإمساكه في إحرامه.

قالوا فلما كان ما ذكرنا وكان الطيب محرما على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء كان ثبوت الطيب عليه بعد إحرامه وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه كتطيبه بعد إحرامه، ولا يجوز في القياس والنظر هذا.

واعتلوا في دفع ظاهر حديث عائشة بما رواه إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه، قال سالت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لأن أطلى بالقطران أحب إلي من أن أصبح محرما تنضخ مني ريح الطيب. قال فدخلت على عائشة فأخبرتها بقول ابن عمر فقالت طيبت رسول الله e فطاف على نسائه ثم اصبح محرما.

قالوا فقد بان بهذا في حديث عائشة أن رسول الله e طاف على نسائه بعد التطيب وإذا طاف عليهن اغتسل لا محالة، فكان بين إحرامه وتطيبه غسل.

قالوا فكأن عائشة إنما أرادت بهذا الحديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك ابن عمر. وأما بقاء نفس الطيب على المحرم فلا. قال أبو عمر: هذا ما احتج به من كره الطيب للمحرم من طريق الآثار ومن طريق النظر وقال جماعة من أهل العلم لا بأس أن يتطيب المحرم عند إحرامه قبل أن يحرم بما شاء من الطيب مما يبقى عليه بعد إحرامه ومما لا يبقى.

وممن قال بهذا من العلماء أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وجماعة وجاء ذلك أيضا عن جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبو سعيد الخدري وعائشة وأم حبيبة وعبد الله بن الزبير ومعاوية فثبت الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ومن بعدهم وكان عروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والحسن البصري وخارجة بن زيد لا يرون بالطيب كله عند الإحرام بأسا.والحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث عائشة قالت: طيبت يا رسول الله e لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) هذا لفظ القاسم بن محمد عن عائشة ومثله رواية عطاء عن عائشة في ذلك.

وقال الأسود عن عائشة أنها كانت تطيب النبي e بأطيب ما تجد من الطيب قالت: (حتى أني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة قالت: (كنت أطيب رسول الله e بالغالية الجيدة عند إحرامه)

رواه أبو زيد بن أبي الغمر عن يعقوب بن عبد الرحمان الزهري عن موسى بن عقبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير