وابن القيم رحمه الله تعالى لم يذكر القائلين لهذا: وهو المعتمد من مذهب مالك، والوجه المقدم من مذهب الشافعي،. واختاره أبو يوسف من الحنفية، وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة.اهـ كلام الشيخ بكر.
أقول:وقد عزى الشيخ بكر اختيار ابن تيمية إلى السياسة الشرعية، ومن تأمل كلامه فيه اتضح له أنه يختار أنه لاحد لأعلى التعزير كأقله.
- وأما اختيار ابن القيم رحمه الله فقال الشيخ بكر في المرجع السابق (481):
واختلف اختياره رحمه الله تعالى ...... ظاهر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى اختياره القول الثاني- أن أكثره يقرب في كل معصية إلى جنسها مما فيه الحد ولا يزيد عليه - من هذه الأقوال لقوله في كتابه (الطرق الحكمية):
(الثاني- هو أحسنها- أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها).
وهذا الظاهر يخالف ما قرره في موضع آخر من نفس كتابه (الطرق الحكمية) وقرر في مواضع من كتبه، من اختياره القول الأول: وهو أنه لا حد لأكثره بل بحسب المصلحة، فإنه قال في (الطرق الحكمية):
(والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم يوافق القول الأول .. ).
وقال في (أعلام الموقعين): (إن التعزير لا يتقدر بقدر معلوم بل هو بحسب الجريمة في جنسها وصفتها وكبرها وصغرها).
وفيه أيضاً بعد كلامه على حكمة الحدود قال:
(ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة- وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة- جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع، واختلفت عليه أقوال الصحابة، وسير الخلفاء الراشدين وكثير من النصوص، ورأى عمر قد زاد في حد الخمر على أربعين والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين، وعزر بأمور لم يعزر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفذ على الناس أشياء عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فيظن ذلك تعارضاً وتناقضاً وإنما أتى من قصور علمه وفهمه وبالله التوفيق).
وفي (إغاثة اللهفان) ذكر أن الأحكام على نوعين: نوع لا يتغير بحال الحدود المقدرة على الجرائم. ونوع يتغير حسب المصلحة كمقادير التعزيرات فقال فيها:
(النوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له، زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة ... ).
فهذه النقول المتعددة تؤيد اختياره القول الأول: وهو أن التعزير بحسب المصلحة وهو أظهر في الترجيح والاختيار من القول الثاني والله أعلم. اهـ كلام الشيخ بكر.
ثم اختار الشيخ بكر القول بأنه لا حد لأكثره بقوله:
يظهر ترجيح القول الأول المختار لدى الإمام ابن القيم وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وذلك لسلامة أدلته ومراعاته لحكم الشريعة ومقاصدها والله أعلم. اهـ
والله أعلم