وخالف في هذا الظاهريّة وبعض السلف -رحمهم الله- ويقال عن بعض أهل الظاهر وليس كلهم قالوا بذلك، فالشاهد من هذا أن الفطر في السفر والمرض من العلماء من أوجبه وألزم به المكلف، ومنهم من خير المكلف، فقال بإباحته، ومذهب الجمهور أن من سافر مخيّر، وأن من مرض مخيّر ما لم يصل به المرض إلى الخوف على نفسه؛ فحينئذ يتعيّن عليه الفطر؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عن تعذيب هذا لنفسه لغني)) وإذا ثبت هذا فإن أصحّ قولي العلماء -رحمهم الله- الجواز والتخيير، ومن هنا عبّر المصنّف -رحمه الله- بقوله: [يباح] ولم يقل يجب الفطر، وإنما قال يباح أي أنك مخيّر، إنما يرد السؤال: هل الأفضل أن أفطر أم الأفضل أن أصوم؟ وهذا ما سيذكره -إن شاء الله تعالى- بعد بيانه للفطر في السفر والمرض.
فقال رحمه الله ويباح الفطر في رمضان لأربعة أصناف أو أنواع أو أشخاص المراد بهذا الإجمال قبل البيان والتفصيل، أي أن الله أحلّ لهؤلاء الأربعة أن يفطروا، وهؤلاء الأربعة منهم: من يفطر ويلزمه القضاء ولا تلزمه كفارة، ومنهم من يفطر ويلزمه القضاء مع التكفير، ثم يختلفون إلى قسمين أو إلى نوعين:
منهم من تجب عليه الكفّارة المغلّظة كمن أفطر بالجماع.
ومنهم من تجب عليه الكفارة مخففة كالحامل إذا أفطرت خوفا على نفسها على ولدها فإنها تقضي وتكفر؛ لأن العذر ليس متصلا بها، وإنما متعلّق بمصاحب.
فالكفارة تكون مغلّظة، وتكون غير مغلّظة.
ومنهم من يفطر ولا يقضي وهو الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه، فإنه يفطر ولا يلزمه القضاء. فهذه أصناف المفطرين: فمنهم من أوجب الله عليه القضاء ولم يوجب عليه غير القضاء إلا إذا تأخّر في القضاء إلى رمضان آخر دون عذر فجمهور العلماء وهو محكي عن بعض الصحابة يلزمونه عن كل يوم ربع صاع وهو المد النبوي، ومنهم من لا يوجبه، والعمل به أحوط وأسلم. هذا بالنسبة لمن يفطر ويقضي كالحائض والنفساء تفطر وتقضي، وكالمسافر يفطر ويقضي ولا يجب عليه كفّارة.
والنوع الثاني يفطر ويقضي ويكفّر، فهذا إن كان فطره بالمغلّظ كالجماع في نهار رمضان، أفطر بجماعه ووجبت عليه الكفّارة المغلّظة، ووجب عليه قضاء اليوم الذي أفطر فيه.
ومنهم من يفطر ويقضي ويكفر كفارة دون المغلّظة وهي المخففّة: أن يطعم عن كلّ يوم مدًّا أو نصفاً، فإن تطوع فهو خير له، وهي المرأة الحامل والمرأة المرضع إذا كان عذر الفطر متعلّقا بمصاحب لا بها بأن خافت على ولدها الرضيع أو خافت على جنينها إذا كانت حاملاً، فإنها تفطر وتقضي وتكفّر، فيلزمها القضاء للأصل وتلزمها الكفّارة وهي إطعام المد لكون العذر تعلق بالغير لا بها محضا.
ومنهم من يجب عليه التكفير ولا يجب عليه القضاء، وهو المريض الذي لا يرجى برؤ مرضه، والشيخ الهرم؛ لأن الله نقلهما إلى الإطعام. هذه أربعة أصناف للمفطرين في نهار رمضان.
[أحدها: المريض الذي يتضرر به]: المريض الذي يتضرّر به: أحدها المريض: المرض ضد الصحة، والمرض هو خروج البدن عن حد الاعتدال، فإذا اعتدلت في الإنسان طبائعه كان صحيحا، وإذا غلبت إحدى الطبائع؛ فإنه ينتقل من حدّ الاعتدال إلى السقم والمرض.
والمرض ينقسم إلى أقسام، ومن هنا هو في الأصل إما أن يكون المرض يؤثر فيه الصوم، وإما أن يكون المرض لا يؤثر فيه الصوم، فمن جرح إصبعه يوصف بكونه مجروحا ومريضا حتى إن بعض السلف كان يترخص به كما أثر عن ابن سيرين في قصته المشهورة -رحمه الله-، لكن هناك من هو مريض ويتأثّر بمرضه إذا صام. فأما إذا كان المرض لا يتأثر بالصوم كالصداع الخفيف وألم البطن الخفيف المحتمل والجروح والقروح ونحو ذلك التي لا تتضرر بالصوم فهذه جماهير السلف والخلف على أنه يجب عليه أن يصوم؛ لأن الأصل أنه مطالب بالصوم، ولذلك يجب عليه الصوم ولا يعتبر هذا عذرا له، أما إذا كان الصوم يؤثر في المرض، فإما أن يكون يفضي به إلى الهلاك وهو ما يعبر عنه بعض العلماء أن يتعذّر عليه الصوم بحال، بمعنى أنه لا يمكنه أن يصوم إلا إذا كان يريد أن يموت فهذا وجها واحدا عند العلماء -رحمهم الله- يفطر ويتعيّن عليه الفطر لإنقاذ نفسه ولا يجوز له أن يعذب نفسه ولا أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، يدخل في حكم هذا بالتبع الاستصحاب للعذر أن يكون المرض يمكنه أن يصوم
¥