تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مع المرض لكن أعطي دواء لهذا المرض يستوجب الفطر، وحينئذ يتعلق بفطره يكون الفطر لإنقاذ نفسه من هذا المرض الذي قد يشفي به إلى الهلاك، فحينئذ يفطر فإذا كان المرض لا يمكن للإنسان أن يصوم معه بحال تعين عليه الفطر. وأما إذا كان المرض لا يفضي به إلى الهلاك وإنما يفضي به إلى الحرج والمشقة والضيق؛ فإنه يخير بين الفطر وبين الصوم، ثم يكون الفطر أفضل له على حال، ويكون الصوم أفضل له في حال أخرى.

أما الدليل على أنه يباح للمريض أن يفطر؛ فقوله سبحانه وتعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وقوله سبحانه وتعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فهاتان الآيتان نصتا على العذر بالمرض، وهذا يدلّ على أن المريض معذور شرعا.

وكذلك أيضا أجمع العلماء -رحمهم الله-على أن المرض يبيح الفطر، وعلى هذا اجتمع النص والإجماع، ولا خلاف بين أهل العلم في كون المرض عذرا، إنمّا الخلاف هل يجب عليه أن يفطر عموما أو يكون مخيرا على التفصيل الذي ذكرناه.

أما بالنسبة للمريض من حيث الأصل؛ فالمرض في الشرع عذر ورخصة وموجب للتخفيف، ولكنه في الصوم العلماء توسّعوا فيه أكثر من بقية العبادات؛ لأنه في الصوم يتصل بالدواء، ويتصل بالطعام والشراب، ومن هنا لا يشترط كون المرض قضية المرض ذاتها، بل إن استعمال الأدوية لعلاج المرض هذا أيضا مؤثر، ومن هنا نجد السلف الصالح يعبرون عن مسألة زيادة المرض، فإن الإنسان إذا كان مريضا وأمكنه أن يصبر ولكن صومه يزيد المرض ويؤخر البرء فمذهب طائفة من العلماء أن تأخير البرء عذر، وهذا حرره غير واحد ومأثور عن بعض السلف الصالح -رحمهم الله- من الصحابة والتابعين وحتى عن بعض أئمة الاجتهاد كالإمام أبي حنيفة والإمام مالك والشافعي وأحمد -رحمة الله على الجميع-، وهو أيضا أصول الشريعة تقتضيه حتى وقد تكلم عليه شيخ الإسلام -رحمه الله- في المجموع، وذكروا أنه عذر في التيمم في الغسل، كما لو كان مزكوما فإن شدة الزكام محرجة ومؤذية ومضرة، وقد تسترسل وتتأخر فتوقع الإنسان في الحرج، فحينئذ لو أعطي دواء لعلاج ولا يمكن إلا بأن يفطر أثناء يومه رخص له في هذا الدواء؛ إذًا الفطر ليست قضية أن يأكل ويشرب للبدن، بل قد يكون الفطر لاستعمال الأدوية ونحو ذلك من العقاقير فإنه يستعملها؛ لأن موجب الرخصة وهو المرض بغض النظر عن كون الأذى موجود في المرض نفسه أو كون يريد هذا الدواء فيفطر به من أجل أن لا يتأخّر عليه البرء ونحو ذلك من الأسباب.

[أحدها المريض الذي يتضرر به]:. وقوله: [المريض الذي يتضرر به]: يعني الصوم، فالباء سببية. المريض الذي يتضرر بسبب الصوم يباح له أن يفطر، ومفهوم هذا -والمفاهيم معتبرة في المتون الفقهية- أنه إذا كان لا يتضرر بالصوم؛ فإنه يجب عليه أن يصوم، فلو كان عنده مرض لا يؤثّر فيه الصوم نقول له أنت باق على الأصل ويجب عليه أن تصوم كما ذكرنا في الصداع الخفيف وألم الإصبع وألم الرِّجْل الذي لا علاقة له بالأكل والشرب وليس له من دواء يؤخذ هذا يجب على صاحبه أن يصوم.

[والمسافر الذي له القصر]: والمسافر الذي له القصر: المسافر يباح له الفطر؛ والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع: فإن الله –تعالى- قال: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر} وقال في الآية الأخرى: {فمن كان مريضا أو على سفر} وهذا يدلّ على أن السفر رخصة؛ لقوله بعد ذلك: {فعدة من أيام أخر} فجعل حكمه أن ينتقل للأيام الأخر إن أفطر.

والمسافر إما أن يكون سفره مأذونا به شرعا مثل أن يسافر لحج واجب، مثل أن يسافر لعمرة واجبة عليه، أو يسافر برًّا لوالديه، أو يسافر لأمر نذر لعمرة منذورة أو نحو ذلك من السفر الواجب، فإذا سافر لواجب أو سافر لمندوب كصلة رحم ونحو ذلك فلا خلاف بين العلماء أنه يرخص له. وأما إذا سافر لمحرّم فمذهب طائفة من العلماء أنه لا يستبيح الرخصة؛ لأنه مأمور بالرجوع من هذا السفر، وحينئذ يبقى على الأصل إذ لا يعقل أن الشريعة تقرّه على هذا المنكر وتعطيه الرخصة فتعينه على التقوي على الحرام، وهذا هو أعدل الأقوال أنه لا يرخّص له إلا إذا تضرر فيكون الرخصة من باب الضرر لا من باب المعونة على السفر المحرّم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير