إذا ثبت هذا فإن المقبل إذ كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل (جامع) أوأنزل لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد. أ.هـ[المغنى - جـ6 صـ81]
4 - الإكتحال:
اختلف الفقهاء في حكم الاكتحال هل هو جائز للصائم لا يُفطِّر أم هو مكروه أم هو حرام مُبْطِلٌ للصوم؟ فذهب إلى أن الاكتحال يُبطل الصيام ابن شُبرُمة وابن أبي ليلى، وذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن شهاب الزهري إلى حكم الجواز وأنه لا يفطِّر بحالٍ، وروى ذلك عن عبد الله بن عمر وأنس ابن مالك وابن أبي أوفى من الصحابة رضوان الله عليهم.
والحق أن هذه المسألة هي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى وقفة طويلة لبيانِ أن الاكتحال جائز للصائم وللصائمة وأنه لا يفطِّر بحالٍ من الأحوال إذ لم يُرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته حديثٌ واحدٌ صحيحٌ أو حسنٌ ينهى الصائم عن الاكتحال، لا نهياً جازماً ولا نهياً غير جازم، بل ورد حديث - وان اختلفوا فى صحته - يبين انه جائز وهو ما رواه ابن ماجه عن عائشة قالت:" اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم". [قال الألباني: صحيح، الروض النضير (759)]
واخرج البخاري – تعليقا – " وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَن وَإِبْرَاهِيم بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا ".
قال ابن حجر فى الفتح:
َرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَن عَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِل وَهُوَ صَائِم , وَعن الْحَسَن قَالَ " لَا بَأْس بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ ".
وعَنْ الْقَعْقَاعِ بْن يَزِيدَ " سَأَلْت إِبْرَاهِيمَ أَيَكْتَحِلُ الصَّائِمُ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت أَجِدُ طَعْمَ الصَّبْرِ فِي حَلْقِي. قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْأَعْمَش قَالَ " مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ , وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِل الصَّائِم بِالصَّبْرِ".أ. هـ
وما يقال بخصوص الكُحل يقال بخصوص قطرة العين، فالتّقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدّهن في العين لا يفسد الصّوم، لأنّه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه، فإنه لا دليل من الشرع على أن ذلك يفطِّر الصائم، بل الدليل قائم على جوازها، لأن واقعها كواقع الماء في الأغسال والوضوء، فما يدخل العين من ماء أو دواء لا يفطِّر الصائم مطلقاً، وما قاله بعض الفقهاء من أن قطرة العين تصل إلى الحلق هو قول متهافت لا يُؤْبَهُ به ولا يُلتفَت إليه، ومثل قطرة العين قطرة الأذن فإنها لا تفطِّر، لأن واقعها كواقع الماء الداخل إليها في الأغسال والوضوء، وهو لا يفطِّر مطلقاً.
5 - الاستعاط واستعمال البخور والتدخين:
الاستعاط: افتعال من السّعوط: دواء يصبّ في الأنف، والاستعاط
وهو أن تُوضَعَ مادةٌ في الأنف وتُستنشَق، ويسمى الدواء الذي يُستنشق السَّعوط بفتح السين.
وهو عند الفقهاء: إيصال الشّيء إلى الدّماغ أو الرئتين من الأنف.
وإنّما يفسد الاستعاط الصّوم، بشرط أن يصل الدّواء إلى الدّماغ، والأنف منفذ إلى الجوف، فلو لم يصل إلى الدّماغ لم يضرّ، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواءً في أنفه ليلاً، وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.
ولو وضعه في النّهار، ووصل إلى جوفه أفطر، لأنّه واصل إلى جوف الصّائم باختياره فيفطّره كالواصل إلى الحلق.
وهذا كقطرة الأنف فيُنظَر، فإن هي وصلت إلى الحلق وشربها الصائم فقد أفطر، إما إن وصلت الفم فبصقها الصائم فلا تفطِّر، فالأنف يختلف عن العين والأذن بكونه نافذاً إلى الفم كما هو معلوم ومعروف، ومثله بخاخ الربو ان وجد طعمه وبلعه يفطر والا فلا، والله تعالى اعلى واعلم.
واستعمال البخور: يكون بإيصال الدّخان إلى الحلق، فيفطر، أمّا شمّ رائحة البخور ونحوه بلا وصول دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرّائحة واستنشقها، لأنّ الرّائحة لا جسم لها.
وهذا بخلاف دخان الحطب، فإنّه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمّد استنشاقه.
¥