فمن أدخل بصُنعه دخاناً حلقه، بأيّة صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان دخان عنبر أم عود أم غيرهما، ودخان التبغ (السجائر)، حتّى من تبخّر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتمّ دخانه، ذاكراً لصومه، أفطر، لإمكان التّحرّز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.
قال بعض أهل العلم: هذا ممّا يغفل عنه كثير من النّاس، فلينبّه له، ولا يتوهّم أنّه كشمّ الورد والمسك، لوضوح الفرق بين هواء تطيّب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله.
وفى الجامع لأحكام الصيام: [الطبعة الثانية - (ج 1 / ص 246وما بعدها)]
إنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً أن دخول جسم في الحلق ومن ثم بلعه، أي نزوله إلى البلعوم يفطِّر الصائم، دون اشتراط أن يصل إلى المعدة أو إلى الرئة فنزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، وهذا هو مقتضى اللغة، فاللغة تُطلِق على من بلع جسماً صلباً أنه أكله، أو سائلاً أنه شربه، فنزول الشيء إلى البلعوم يعتبر أكلاً له أو شرباً له، وحيث أن الأكل والشرب يفطِّران، فإن بلع أي شيء يفطِّر الصائم. وإنه لمن المتفق عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، إلا من شذَّ، أن نزول أي جسم إلى البلعوم يفطِّر الصائم، سواء كان مغذياً، أو غير مغذٍّ كحصاةٍ أو حفنة تراب.
بقي أن نعرف مواصفات هذا الجسم، فأقول إن الجسم إن دخل كلُّه دفعةً واحدة فإنه لا خلاف في أنه يفطِّر، كاللقمة أو كحبة الحمص أو كجرعة ماء أو دواء وهو مُجْمَعٌ عليه عند المسلمين قديماً وحديثاً، فإذا جاء أحدهم ليحتال على الصيام، فسحق حبةَ الحمص أو حبة الدواء، ثم أدخل المسحوق بالتدريج في جوفه إما ببلعه مع الريق، أو باستنشاقه مع الهواء فإنه يكون قد أفطر، ولا تنفعه حيلته هذه، لأن النتيجة واحدة في الحالتين، وهي إن جسماً قد نزل إلى البلعوم ومن ثمَّ إلى الرئتين في الصدر، أو إلى المعدة في البطن، ولا يختلف الحال إن كان قد دخل جسماً على حاله، أو دخل مسحوقاً فبلعه مع الريق فوصل إلى المعدة، أو استنشقه مع الهواء، فوصل إلى الرئتين، وإذن فإن دخول أي جسم عن طريق البلعوم يفطِّر على أيةِ حالةٍ دخل، لأنه في واقعه فعلٌ واحد ...........
وبالتالى فما يدخل الصدر أو البطن من طريق الحلق والبلعوم يفطِّر، لا فرق بين أن يدخل على شكل جسم محسوس أو على شكل مسحوقٍ مُذاب في الريق، أو على شكل مادة تطير في الهواء ثم تنعقد في الداخل مادةً محسوسة، أما الحالتان الأُوْليان فإنه لا خفاء فيهما، ولا يحتاجان منا إلى ضرب أمثلة عليهما.
وأما الحالة الثالثة فهي ما تحتاج إلى ضرب أمثلة عليها فمنها:
أ - السَّعوط، وهو نوع من التبغ يُسحَق ويستنشقه الشخص فيدخل في الرئتين أو كأعشاب تطحن وتستنشق للعلاج كالسعوط الهندي وما شابه
ب - دخان التبغ، ودخان البخُّور.
ج - بخار الماء وبخار الدواء.
د - بخَّاخ الرَّبْو.
هذه الأنواع الأربعة يدخل منها من طريق الحلق والبلعوم في الرئتين في الصدر ما ينعقد أَجْراماً وأجساماً.
أما بالنسبة للسَّعوط فإنه يدخل كلُّه في الرئتين مروراً بالبلعوم حاله كحال حبة حمص أو حبة دواء تُسحَق فتدخل مع الريق الى المعدة.
وأما دخان التبغ من السجاير والغليون والنرجيلة فإنه يتشكَّل في الصدر أَجْراماً وأجساماً من القَطِران والنيكوتين وغيرهما وهي ما تشاهد بوضوح تام في ما يسميه الناس بـ (الشيشه) لدى مرور الدخان من خلالها، وهي ما تشاهد بوضوح على الثياب إذا جرى تبخيرها بكثرة.
واتّفق الفقهاء على أنّ شرب الدّخان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام، لأنّه من المفطرات.
وأما بخار الماء وبخار الدواء، فإن حقيقته وواقعه أنه ماء ودواء، فلا يصح استنشاقه وإدخاله في الداخل بحالٍ من الأحوال.
وأما بخَّاخ الربو فإن حقيقته وواقعه أنه دواء ينبعث من الإناء الموضوع فيه كرذاذ يدخل في الفم ومن ثم ينزل إلى البلعوم، قسمٌ منه يختلط باللعاب فيدخل في المعدة، والقسم الأكبر يدخل مع الهواء في الرئتين. فالقاعدة هي أن أي جسم إذا دخل في البلعوم فطَّر الصائم سواء دخل على حاله، أو دخل على شكل دخان أو رذاذ أو بخار، ثم انعقد جسماً ومادة في الداخل.
¥