وقد أعظم الله الأجر، وأجزَل المثوبة لمن صلى في المسجد الحرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي أفضل من أَلف صلاة فيما سواه إلاَّ المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه» [رواه أحمد].
والمسلم يحرص على أن ينال أعلى الدرجات وجزيل الثواب، ساعياً إلى مرضاةِ ربِّه وطلباً لغفرانه، خاصة في هذا الشهر المبارك والمكان المبارك.
ورغبة في تمام الأجر وخوفاً من الزلل والوقوع في الخطأ، هذه إشارات وبشارات كُتبت في وقفات متتالية، والأخ المعتمر يعلم خيراً مني في ذلك:
- الوقفة الأولى: انتشرَت بين النساء السفر إلى العمرة بدون محرم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تسافر المرأة إلاَّ مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجلٌ إلاَّ ومعها محرم»، فقال رجل: يا رسول الله إنيِّ أُريد أن أَخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تُريد الحج! فقال صلى الله عليه وسلم: «اخرج معها» [رواه البخاري].
وهذا الرجل أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك الجيش الذي يريد أن يغزو معه، وأن يعود لينطلق مع زوجته التي خرجت في عبادة، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم أهي كبيرة أم صغيرة؟ أمع نساء أو رجال؟! بل أمره باللحاق بها. والمؤمنة لا تذهب في سفر، لا لحج ولا لعمرة ولا غيره إلا مع محرم لها ولا تتعذر بطفل لم يبلغ الحلم.
- الوقفة الثانية: بعض الأولياء يترك أُسرته في بلدته ويضيع واجب رعايتهم والقيام عليهم، ويُقدم الذهاب إلى مكة على ذلك، وقد أَخطأ في هذا الاجتهاد. وحفظ الأهل والأبناء أولى وأجدر وأحق وأفضل، وبعض الشباب يضيِّع والديه الكبيرين وهما في حاجة إلى خدمته ومعونته، والأجر الأعظم هو في برهم ورعايتهم وبالإمكان الجمع بين عمرة لا تتجاوز مدتها يوماً، ثم العودة إليهما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
- الوقفة الثالثة: صلاة المرأة في بيتها خيرٌ لها من الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد، فعن أُم حُميد امرأة أَبي حميد الساعدي- رضي الله عنها- أَنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنِّي أُحب الصلاة معك، قال: «قَد علمت أنكِ تُحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خيرٌ من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في ممر دارك خيرٌ من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي» [رواه أحمد].
وتأمل أُختي المسلمة كيف تدرجَ الخير وتباينت الدرجات، ثم انظري في أعلاها وأفضلها وهي صلاة المرأة في بيتها، مقارنة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما ذاك إلاَّ صيانة للمرأة والرجل وسدّاً للذرائع. قالت عائشة- رضي الله عنها-: "لو عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدَثت النساء بعده لمنعهن من الخروج"! هذا في زمن أم المؤمنين وفي صدر الإسلام الأول ولا تزال في الأمة وجوه الصحابة، فكيف لو رأت أم المؤمنين نساء هذه الأيام!
- الوقفة الرابعة: فَرِّغ نفسك أخي المسلم من لقاء الناس وكثرة الحديث! وتفرغ لأمر آخرتك، والبعض جعل البقاء في مكة وفي الحرم خاصة مكاناً للحديث وطول الكلام الذي لا فائدة من ورائه ولم يراعِ حرمة المكان ولا مشاعر المصلين، فتراه رافعاً صوته بالحديث مضيعاً وقته ومؤذياً غيره. واللسان أمره عظيم، وخطره جسيم قال تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتيدٌ}. وقال صلى الله عليه وسلم: « ... وهل يُكَبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». [رواه الترمذي].
وأحذِّر غيبة الأئمة والاستهزاء بهم، ولا تجعل لسانك يفري في أعراض المسلمين وغيبتهم وازدرائهم، وتجنب فحش الكلام وبذائته فأنت في شهر عظيم ومكان عظيم. ولا بد من الأدب والتأدُّب ومن ذلك إغلاق الهواتف النقالة وغيرها. وعدم الإتيان إلى الحرم بملابس النوم والله عزّ وجلّ يقول: {يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
¥