بعض هذه التأويلات التي ذكرها العلماء بعيدة لكن منها القريب الذي لا إشكال فيه.
ومن هذه التأويلات أن هذه الحادثة قبل الحجاب قال الحافظ: " رُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد الْحِجَاب جَزْمًا ".
ومن العلماء من قال إنها رضي الله عنها كانت من محارمه وادعى النووي الاتفاق عليه وَبَالَغَ الدِّمْيَاطِيّ فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ اِدَّعَى الْمَحْرَمِيَّةَ.
ولعل أولى الأقوال بالصواب ما ذهب إليه بعض العلماء واختاره الحافظ.
فقد كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا يَمْلِك أَرَبَهُ عَنْ زَوْجَته فَكَيْف عَنْ غَيْرهَا مِمَّا هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُبَرَّأ عَنْ كُلّ فِعْلٍ قَبِيحٍ وَقَوْلٍ رَفَثٍ، فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصه.
قال الحافظ: "وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا، وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانَ فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلَا زَوْجِيَّة ".
وقال: " وَأَحْسَن الْأَجْوِبَة دَعْوَى الْخُصُوصِيَّة وَلَا يَرُدّهَا كَوْنُهَا لَا تَثْبُت إِلَّا بِدَلِيل؛ لِأَنَّ الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ وَاضِح، وَاَللَّه أَعْلَم ".
فتأمل قوله: الدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ وَاضِح، وهو الدليل الذي قدمته في اول كلامي.
الثاني حديث لأن يطعن أحكم بمخيط في رأسه خير من أن يمس أمرأة لاتحل له
على فرض عدم صحة الحديث فإن الدليل على حرمة اللمس قد تقدم.
الثالث-حديث وإن زنى اليد أن تبطش وهذا محمول على المثال الاخير من المس المحرم
بأي وجه حملته عليه؟!!.
لوسرناعلى هذا النهج لقلنا يحرم أيضا كشف وجهها
قد ذُهِب إلى ذلك فليس هذا إلزاما صحيحاً!!.
ويحرم خروجها من البيت الى العمل الا مع محرم لهذا السبب
خروج المرأة إلى العمل لا يلزم منه أن يؤدي إلى الفتنة طالما أن العمل ليس فيه اختلاط بالرجال.
وعدم جواز ركوبها الدابه الامع محرم لهذ السبب
لا يلزم ذلك!.
وعزلنا الرجال عن النساء في الطواف والسعي لهذا السبب وغيره الكثير الكثير
لا يلزم ذلك!.
ثم تأمَّل هداك الله هذا الحديث:
قال الإمام البخاري في صحيحه: و قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرِّجَالِ؟
قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟.
قَالَ: إِي لَعَمْرِي! لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ.
قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟
قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ،فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ
قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟
قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا.
وأخرج الشافعي في مسنده عن مَنْبُوذِ بنِ أبي سُليمَانَ: عن أمِّهِ أنَّهَا كانَتْ عِنْدَ عائشةَ زَوْجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَتْ عليها مَوْلاَةٌ لها فقامت لها يا أُمَّ المؤمنينَ: طُفْتُ بالبيتِ سَبْعاً واسْتَلَمْتُ الرُّكنَ مرَّتَينِ أوْ ثلاثاً فقالت لها عائشةُ: لا آجُرَكِ اللَّهُ لا آجُرَكِ اللَّهُ تُدَافِعِينَ الرجالَ ألاَ كَبَّرْتِ اللَّهِ ومَرَرْتِ!.
والحمد لله.
وكتب أبو الحسنات الدمشقي
¥