الدينار الأصل فيه أنه قطعة من الذهب تزن 4,25 جرام، و الدرهم الأصل فيه أنه قطعة من الفضة تزن 2,97 جرام، فإن دخل مع ذلك الوزن مادة أخرى خلاف الذهب و الفضة، فإنهما ـ الدينار و الدرهم ـ يصبحا مغشوشين، ووجه تحقق هذا الغش أن الدينار و الدرهم ـ كما سبق بيانه ـ ما هما إلا وزنين لسلعتين مرغوب فيهما، هما الذهب و الفضة، وهذا يعني أن الدينار و الدرهم قد استمدا قيمتهما من معدنيهما، فهما إذا نقود سلعية، تماما كمن اتخذوا الماشية أو القمح نقودا تستعمل كوسيط للتبادل و معيارا للقيمة. وعلى قولنا بسلعية الدينار و الدرهم إلا أن الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ لم ينظروا إلى الدينار و الدرهم على كونهما محض سلعتين، بل اعتبروا فيهما عنصر الاصطلاح على جعلهما أثمانا، بل نراهم قد غلّبوا صفة الاصطلاح على الثمنية على صفة السلعية لهذه الدراهم، ويظهر ذلك من تصرف الفقهاء رحمهم الله تعالى تجاه الدنانير و الدراهم المغشوشة، فرغم أن الأصل هو التعامل بالدنانير و الدراهم على كونهما وزنين ثابتين من الذهب و الفضة، إلا أن الفقهاء جعلوا الاصطلاح على الثمنية يعطي للدنانير و الدراهم المغشوشة صفة الاستمرارية على كونهما أثمانا، و ذلك رغم سقوط بعض سلعيتهما بحسب ما وقع فيهما من الغش، فاستمر التعامل بهذه الدنانير و الدراهم المغشوشة تماما كما لو كانت سليمة، و ما ذاك إلا للاصطلاح بين الناس على جعلها أثمانا و التعامل بهما كما لو كانا غير مغشوشين.
و إليك نصوص بعض نصوص الفقهاء في بيان ذلك:
قال ابن عابدين:
(اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس، و كان كل منهما نافقا حتى جاز البيع لقيام الاصطلاح على الثمنية) * 36
و قال:
(و يدل عليه تعليلهم لقول أبي حنيفة بعد حكايتهم الخلاف بأن الثمنية بطلت بالكساد لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها سقط الاصطلاح فلم تبق ثمنا) *37
و قال السرخسي في المبسوط:
(وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله تعالى يفتي بوجوب الزكاة في المائتين من الدراهم الغطريفية عددا وكان يقول " هي من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم ونحن أعرف بنقودنا. وهو اختيار شيخنا الإمام الحلواني رحمه الله تعالى وهو الصحيح عندي (* 38
وفي معجم البلدان لياقوت الحموي:
(وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم فكان الذهب كالسلع والعروض وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة وقد ركّبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها وكانت سكتها تصاوير وهي من ضرب الإسلام وكانت لهم دراهم أخر تسمى المسيبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام (*39
وقال الكاساني في البدائع:
(وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يفتي بوجوب الزكاة في كل مائتين فيها ربع عشرها، و هو خمسة منها عددا. و كان يقول " هي من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم، و نحن أعرف بنقودنا " وهو اختيار الإمام الحلواني و السرخسي) * 40
وقال البهوتي الحنبلي:
(و يجوز الصرف بنقد مغشوش و يجوز المعاملة بنقد مغشوش، و لو كان غشه بغير جنسه كالدراهم تغش بالنحاس لمن يعرفه أي الغش. قال أحمد: إذا كان شيئا اصطلحوا عليه، مثل الفلوس اصطلحوا عليها فأرجو ألا يكون بها بأس. و لأن غايته اشتماله على جنسين لا غرر فيهما. و لأن هذا مستفيض في الأعصار.) * 41
وقال الحطاب المالكي:
(قال البرزلي: نزلت مسألة و نحن في زمن القراءة، وهي أن الدراهم المحمول عليها النحاس كثرت جدا و شاعت في بلاد إفريقيا، جريدية و غيرها، واصطلح الناس عليها.
فكلمت في ذلك شيخنا الإمام عسى أن يتسبب في قطعها، فكلم في ذلك السلطان، و كان في عام سبعين و سبعمائة فهم بقطعها، فبعث إليه شيخنا الغبريني، وكان المتعين حينئذ للفتوى، وذكر له مسألة العتبية، وأن العامة إذا اصطلحت على السكة وإن كانت مغشوشة فلا تقطع، لأن ذلك يؤدي إلى إتلاف رؤوس أموال الناس) * 42
و قال النووي:
¥