(قال القاضي أبو الطيب: قال أصحابنا: و من ملك دراهم مغشوشة كره له إمساكها، بل يسبكها و يصفيها قال القاضي: إلا إذا كانت دراهم البلد مغشوشة فلا يكره إمساكها) * 43
فانظر كيف منع من إمساك الدراهم المغشوشة إلا أن تكون كل دراهم البلد مغشوشة، فقد راعى في ذلك جانب الاصطلاح على هذا التغيير في مادة الدرهم من الفضة إلى غيرها من المواد، و مع ذلك فقد جرى التعامل بها كما لو كانت خالصة. و نفس النقل عن القاضي أبي الطيب ذكره الرملي في نهاية المحتاج * 44 نقلا عن المجموع.
ثم قال النووي في نفس الموضع:
(و قد نص الشافعي رضي الله عنه على كراهة إمساك المغشوش و اتفق الأصحاب عليه لأنه يغر به ورثته إذا مات و غيرهم ف بالحياة، كذا علله الشافعي و غيره و الله تعالى أعلم.) * 45
فانظر إلى التعليل الذي علله به الشافعي و غيره كراهة إمساك المغشوش، وهو التغرير، ولا ريب أنه منتف عند العلم به و الاصطلاح عليه. تأمل
و قال النووي أيضا:
(ثم إن الدراهم المغشوشة إن معلومة العيار صحت المعاملة بها على عينها الحاضرة وفي الذمة، وإن كان مقدار النقرة فيها مجهولا ففي جواز المعاملة على عينها وجهان: أصحهما الجواز، لأن المقصود رواجها، و لا يضر اختلاطها بالنحاس كالمعجونات) * 46
فانظر إلى قول النووي: لأن المقصود رواجها. فأثبت الثمنية باصطلاح الناس عليها، و لو كانت الثمنية هي في جنس الفضة لما كان للرواج فائدة، و هو خلاف التصريح.
و قال الشربيني:
(و لو كان النقد مغشوشا جازت المعاملة به، و إن جهل قدر الفضة، نظرا للعرف) * 47
و قال ابن حجر الهيتمي:
(يجوز التعامل بالمغشوشة ولو في الذمة، و إن جهل قدر الغش نظرا للعرف، و من ثم لو راجت الفلوس رواج النقود ثبت لها أحكامها) * 48.
و الله سبحانه أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــ
(36) مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 59 دار عالم الكتب. بيروت
(37) نفس المصدر 2/ 61 ـ 62 دار عالم الكتب. بيروت
(38) المبسوط ـ السرخسي ـ 2/ 194 دار المعرفة. ببروت
(39) معجم البلدان ـ ياقوت الحموي ـ 1/ 354 دار صادر. بيروت
(40) بدائع الصنائع ـ الكاساني ـ 2/ 17 دار الكتب العلمية. بيروت
(41) شرح منتهى الإرادات ـ البهوتي ـ 2/ 77 دار عالم الكتب. بيروت
(42) مواهب الجليل ـ حطّاب ـ 4/ 342 دار الغرب
(43) المجموع ـ النووي ـ 5/ 495 مكتبة الإرشاد بجدة
(44) نهاية المحتاج ـ الرملي ـ 3/ 87 مؤسسة مصطفى الحلبي. القاهرة
(45) المجموع ـ النووي ـ 5/ 495 مكتبة الإرشاد بجدة
(46) روضة الطالبين ـ النووي ـ ص 291 دار ابن حزم. بيروت
(47)
(48)
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[28 - 04 - 09, 03:01 ص]ـ
المقدمة الخامسة
[تغاير حقيقة الأوراق المالية عبر مراحلها الزمنية]
لا نطيل في هذه المقدمة بذكر تطور ماهية الأوراق المالية عبر مراحلها الزمنية، و إنما المقصود هو التنبيه إلى أن اختلاف ماهية هذه الأوراق عبر المراحل الزمنية انعكس عنه اختلاف تحليلي للفقهاء، من حيث ما يترتب على هذه الأوراق المالية من أحكام، و عليه فإن أقوال بعض الفقهاء في هذه الأوراق لا يمكننا اعتماده لكون محل بحثهم هو أوراق تختلف في ماهيتها عن نقودنا الورقية المعاصرة و التي هي محل بحثنا، في حين أنه لا رابط بين نقودنا المعاصرة و أوراقهم المالية التي بحثوا أحكامها إلا كونهما أوراق، فعلى الدارس أن يتنبه للفروق الجوهرية بين نقودنا المالية المعاصرة و بين الأوراق المالية التي تحدث عنها من سبقنا من الفقهاء عبر مراحل زمنية تختلف فيها ماهية هذه الأوراق عن ماهية النقود الورقية في زماننا. فنجد بعض الفقهاء يذهبون إلى أن الأوراق المالية تعد سندات بديون على الجهات التي أصدرتها، و ما ذلك التحليل الفقهي لهذه الأوراق إلا لكونهم قد محصوا حالها وقد كانت مغطاة بغطاء كامل أو جزئي من الذهب، مع إمكانية تقديم هذه الأوراق واسترداد الديون الذهبية التي تثبتها هذه الأوراق، على خلاف نقودنا الورقية المعاصرة، و التي إن فرضنا اعتمادها على الذهب فهو قدر متضائل إلى أبعد حد، مع عدم إمكانية استرداد ما تعتمد عليه هذه الأوراق. فليتنبه الدارس لذلك.
¥