ـ[محمد رشيد]ــــــــ[28 - 04 - 09, 03:03 ص]ـ
المقدمة السادسة
[مطلق الثمنية و غلبة الثمنية]
إن مما يلزم ذكره ضمن المقدمات لفهم مذاهب أهل العلم في هذا الباب هو توضيح ما يطلق عليه (مطلق الثمنية) وما يطلق عليه (غلبة الثمنية)، فإن بينهما من الفرق ما لابد من لحظه للناظر في مذاهب أهل العلم، و يبتنى على فهم معنى كل منهما فهم صحيح لكلام أهل العلم في أحكام الفلوس القديمة، و من ثمّ النظر في مصداقية إلحاق النقود الورقية المعاصرة بها قياسا.
صفة (مطلق الثمنية) هي أن تروج النقود كأثمان تقوم بها فتكون وسيطا للتبادل ومعيارا للقيمة، سواء غلب استعمال هذا الثمن كالذهب و الفضة في عصره تداولهما أو لم يغلب كالفلوس التي كانت تقدر بها الأشياء الرخيصة جدا و التي يوقع تقييمها بالذهب و الفضة في حرج. فالملحوظ في صفة مطلق الثمنية هو مجرد رواج الثمن بغض النظر عن كونه غلب غيره من الأثمان في التداول أو لم يغلب.
أما صفة (غلبة الثمنية) فهي أن تروج هذه الأثمان، ثم تغلب ثمنيتها على غيرها مما يستعمل ثمنا، و ذلك مثل الذهب و الفضة الذين استعملا كأثمان لا أثمان غالبة غيرهما خلال حقبة كبيرة من الزمان، أما الفلوس فما كانت إلا ثمنا ثانويا تقوم به الأشياء الرخيصة جدا، و لم يغلب استعماله كثمن. وعليه فالذهب و الفضة و الفلوس يعدّا أثمانا للأشياء، فتتوفر فيهم على السواء صفة (مطلق الثمنية)، إلا أن الذهب و الفضة على الأخص قد غلبت ثمنيتهما على غيرهما من الأثمان فتتوفر فيهما صفة (غلبة الثمنية)، ولا تتحقق في الفلوس.
والله تعالى أعلم
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[28 - 04 - 09, 03:08 ص]ـ
المقدمة السابعة
[حقيقة تغير الأحكام بتغير الزمان]
هذه المقدمة على قدر كبير جدا من الأهمية، حيث وقع في مفهومها كثير من الخلط، ما بين مفرط و مفرّط، وكلا الطرفين وقع غلوه بسبب خطأ فهم ما يعرفه الفقهاء و الدارسون بـ (تغير الأحكام بتغير الزمان)، فنجد المفرطين في هذا الفهم كلما قابلتهم
مسألة لم يفهموها و لم يدركوا وجه تكييفها الواقعي سارعوا إلى تغيير حكمها بحجة عدم موافقته الواقع، و أن هذا الحكم لابد من تغيره لتغير الزمان، و سرعان ما تستنجد ألسنتهم بذكر هذه العبارة التي يذكرها الفقهاء و الدارسون في بحوثهم.
و على الطرف النقيض نجد المفرّطين في هذا المعنى لا يقيمون لمفهوم هذه العبارة كبير اعتبار، فنجدهم قد اتصفوا بالجمود على ظواهر الأحكام، فباتت أحكامهم الفرعية فاقدة التوافق و الانسجام مع المقاصد الشرعية العامة كما كانت عليه الأحكام الفرعية لمتقدمينا من قبل.
و هذا الغلو الواقع من الطرفين قد نتج عن عدم فهم حقيقة عبارة الفقهاء (الأحكام تتغير بتغير الزمان)، و نحن في هذه المقدمة نحاول بتوفيق الله تعالى أن نظهر المفهوم الصحيح الذي يرمي إليه الفقهاء و الدارسون من هذه العبارة، فتنبه معي أخي الدارس، فوالله إنها لعلى قدر كبير جدا من الأهمية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لذلك، إنه ولي ذلك و القادر عليه.
قال ابن عابدين رحمه الله تعالى:
(ثم اعلم أن كثيرا من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناءا على ما كان في عرفه و زمانه قد تغيرت بتغير الأزمان بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه من إفتاء المتأخرين بجواز الاستئجار على تعليم القرآن) * 53
و قال أيضا رحمه الله تعالى:
(و كذا قولهم: المختار في زماننا قولهما في المزارعة و المعاملة و الوقف لمكان الضرورة و البلوى) * 54
و قال أيضا رحمه الله تعالى:
(و إفتاؤهم بالعفو عن طين الشارع للضرورة) *55
لو نظرت أخي الكريم في الكلام المنقول عن ابن عابدين رحمه الله تعالى تلحظ أن الفتوى قد تغيرت، فنجد مثلا أئمتنا الثلاثة قد منعوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن، و أجمعوا على ذلك، و قد استفاض ابن عابدين رحمه الله تعالى في بيان ذلك في رسالته (شفاء العليل و بل الغليل في حكم الوصية بالختمات و التهليل) ـ و هي مطبوعة ضمن مجموع رسائله ـ، فهذا هو الأصل في هذه
¥