تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب / هو (مقاصد الشريعة)، و هي تلك القواعد العامة الثابتة التي قررتها الشريعة و رمت إليها، و التي لابد من مراعاتها حال التعامل مع الأدلة الفرعية، فهذه القواعد أو المقاصد العامة هي في الحقيقة تشكل الغاية التي تؤدي إليها هذه الفروع المدروسة، فالفروع خادمة لها، لا حاجمة عليها، و هذه العلاقة بين الفروعو المقاصد لابد من استيعابها تمام الاستيعاب حال دراسة علم الفروع، فبسبب غفلتها وقعنا نحن المعاصرون في كثير من التضارب و التناقض بين فروعنا الفقهية و مقاصدنا الشرعية العامة، فنجد الطالب منا يتناول الأدلة الفرعية و يتأمل حرفيتها، و يتأمل تعارضها الحرفي مع كثير أو قليل من حرفية الأدلة الفرعية الأخرى، قيظل يصول و يجول في هذا لاباب، ثم نخرج بقول شاذ يخالف صراحة مقصد الشرع القاطع، و الذي

هو الغاية من دراسة هذه الفروع، و هو في كل ذلك غافل عن أن استخراج الفروع غايته أن تنتظم جميعا في سلم واحد، هو المقصد الشرعي العام. و بهذا نعلم تفسير خروج كثير من الدارسين المعاصرين عما هو مألوف و يكاد يجمع عليه عند فقهائنا المتقدمين، فنرى كثرة الخروج عن مذاهب أئمتنا الأربعة، و تجد كثيرا من الانفصال بين فقه أئنمتنا المتقدمين، و فقه كثير من

المعاصرين، حتى أنك تكاد تجزم بالانفصال الصوري و المضموني بين الفقهين، و كون كل منهما يمثل مدرسة مستقلة عن الأخرى لها سمتها و أصولها الخاصة.

و أشبه حال الدارس للفروع دون اعتبار مقاصد الشريعة بحال ملاح في عرض البحر يجتهد بما لديه من أدلة و معطيات جزئية على الطريق الذي ينبغي أن يسلكه، فيظل يجتهد، و تراه يسترجع كيف خرج و كيف انحرف و كم مرة كان هذا الانحراف .. إلخ تلك المعطيات التفصيلية، ثم هو لا يستعمل علمه بالجهة الرئيسية التي ينبغي المسير إليها كأن تكون جهة المشرق مثلا، و كان الصواب في حق هذا الملاح أن يجتهد بأدلته التفصيلية و هو في ذلك مستهديا بجهته العامة التي ما ينبغي أن يخرج عنها بحال، و هي المشرق، فيرجح بالجهة العامة ما أدته إليه أدلته التفصيلية، و لا يتعبر بأي نتيجة أخرى تخالف هذه الجهة المقصودة.

هذه هي نفس العلاقة بين الفروع الفقهية و المقاصد الشرعية، فالفروع الفقهية لابد حتما و أن تسير باتجاه المقاصد الشرعية، و لا ينبغي أن يخرجها الدارس عن هذا الاتجاه بحال من الأحوال، و ما الاجتهاد الجزئي الفرعي في الفروع إلا وقود يدفع هذه الفروع لتنتظم في سلك هذه المقاصد، و ليس من وظيفته دفع الفروع خارج هذا الاتجاه العام، فإن وقع ذلك فهو عين الخطأ، فيلزم الدارس إذا في الفروع أن يكون خلال دراسته لفروعه ز اجتهاده فيها مستحضرا لهذه المقاصد الشرعية العامة، و لابد و

أن يطوع اجتهاده الفرعي لدرج الحكم الفقهي تحت المقصد الشرعي العام، فإنها المقصد و الغاية من تحقق هذه الفروع. و الله تعالى أعلم.

ومما يجدر التنبيه عليه في هذه المقدمة المفيدة بإذن الله تعالى، أن بعض الدارسين قد يرسخ في ذهنه أن تغير الفتوى بسبب الضرورة أو العرف أو القرائن يكون في كل صوره متجها نحو التيسير، و هذا تصور غير صحيح، بل صورة التيسير أخص من مجموع صور تغير الفتوى بتغير الزمان، فالتيسير هو أحد المقاصد الشرعية التي ترام من خلال الأحكام، إلا أنها ليست هي كل مقاصد الشريعة، و نعرض لبيان ذلك على عجالة بذكر ما يكفي من الأمثلة ليتضح المقصود. و الله تعالى المستعان.

جاءت الشريعة بحفظ الدين كما هو معلوم و مقرر، فترى من صور حفظ الشريعة للدين أنها قد شرعت الجهاد لنشره و حفظه، و كما هو واضح و راسخ في النفس البشرية فإن الجهاد لا يعد تيسيرا بحال من الأحوال، بل فيه إراقة للدماء و قطع للأعضاء و تيتيم للأطفال و ترميل للزوجات و فقد للأبناء و الآباء و الإخوان، و قد كرهته النفوس، كما جاء في الكتاب} كتب عليكم القتال و هو كره لكم و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم {* 61. فهذه الآية تشير إلى عين ما ذكرنا فقد أثبت الله تعالى الخيرية في القتال، و نفى عنه التيسير في ذات الوقت، و ذلك بإثبات كونه كرها، فدل على أن الخيرية لا تستلزم التيسير، بل قد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير