ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[16 - 08 - 09, 08:11 ص]ـ
- كما خلصنا بعد استعراض الأحاديث إلى ضعف الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، و يحته من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه»
وبيّنا أنه مُعل بالإرسال. و لا حجة فيه، لأنه ليس فيه نفي الغسل، و إنما هو لبيان كيفية التخلص من أي نجاسة، و منها المني، و هذا أشبه بالعادة منه بالعبادة. و من المعلوم أن العين اللزجة أو السائلة، فإنها لا تغسل إلا بعد سلتها، كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقد ورد أنه سلت الدم عن وجهه ثم غسله.
ففي صحيح مسلم (4746) عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد وشج فى رأسه فجعل يسلت الدم عنه و يقول «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله». فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الأمر شيء)
و في صحيح البخاري (240) من حديث سهل الساعدي رضي الله عنه: «كان علي يجيء بترسه فيه ماء وفاطمة تغسل عن وجهه الدم فأخذ حصير فأحرق فحشي به جرحه».
و كذلك العين اليابسة فإنها تقشر قبل أن تغسل. وفائدته – كما قال القاضي عياض - إزالة عينه قبل الغسل لئلا ينتشر ببلله عند الغسل فى الثوب، بدليل الحديث الآخر من قوله للحائض يصيب ثوبها الدم: " تحته ثم تقرضه بالماء "، ولله در مسلم و إدخاله هذا الحديث بأثر أحاديث المنى، فهو كالتفسير للفرك وفائدته. اهـ
...
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[16 - 08 - 09, 08:14 ص]ـ
و استدل القائلون بطهارة المني بحديث عمرة عن عائشة رضي الله عنها و قولها: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يابساً، و أغسله إذا كان رطباً». قالوا: هذا التقابل بين الفرك و الغسل يقتضي اختلافهما.
و قد مر أنه أعل بالإرسال. و الدليل على ضعفه أنه لم ينقل عن أحد ممن روى عن عائشة رضي الله عنها مثله. بل هو مخالف لقولها الذي كانت تفتي به، و سيأتي ذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
و الإشكال عند هؤلاء؛ أنهم يأخذون رواية الفرك بمعزل عن سياقها. و أحاديث عائشة رضي الله عنها مخرجها واحد، و لا يمكن لمثلها أن يقع لها هذا التناقض و التضارب، فإن وقع، فإنما هو من قصورنا.
ذلك أن " الفرك " ورد مع " الغسل " كما في رواية الأسود و علقمة و التي فيها:
«إنما كان يجزئك إن رأيتَه أن تغسل مكانه، فإن لم ترَ نضحتَ حوله. و لقد رأيتنى أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلى فيه»
فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه وحكمت بالنضح لما لم يره، و هذا حكم النجاسات.
و لذلك قال القاضي عياض في " المعلم " (1/ 114): الحديث فيه حجة لنا على نجاسته، و إلا فلم يُغسَل؟ فإن قيل: للتنظيف. قيل: فلم أمرته أن ينضح؟ إذا لم يروا هذا حكم النجاسات. و يصحح أن فرك عائشة له، إنما كان بالماء. لأنه جاء متصلا بهذا الكلام الأول. و يحمل على ما تقدم قولُها، و إلا كان الكلام متناقضا. فالحديث بنفسه حجة على المخالف.
و قال القرطبي في " المفهم ": و هذا من عائشة يدل على أن المني نجس، و أنه لا يجزيء فيه إلا غسله، فإنها قالت: " إنما "، و هي من حروف الحصر، و يؤيد هذا و يوضحه قولها: فإن لم تر نضحت حوله ". فإن النضح إنما مشروعيته حيث تحققت النجاسة و شُك في الإصابة.
قال: و هذا مذهب السلف و جمهور العلماء، و ذهب الشافعي و كثير من المحدثين إلى أنه طاهر، متمسكين بقول عائشة: " لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه ". و بقولها: " و لقد رأيتني و إني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري ".
و هذا لا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنها إنما ذكرت ذلك محتجة به على فتياها؛ بأنه لا يجزيء فيه إلا الغسل فيما رُؤي منه، و النضح فيما لم يُرَ، و تتقرر حجتها إلا بأن تكون فركته و حكته بالماء، و إلا ناقضَ دليلُها فُتياها.
¥