ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[17 - 08 - 09, 08:16 ص]ـ
و خلاصة ما سبق:
تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل المني من الذكر و من الثوب، و هذا خلاف ما زعمه بعضهم من أنه لم يثبت عنه أمر. حيث قال الشوكاني (1/ 65) تبعا للحافظ: " و أما الأمر بغسله فلا أصل له ".
و قال أيضا (1/ 65): احتج القائلون بنجاسته بما روي في غسله و الغسل لا يكون إلا لشيء نجس. وأجيب بأنه لم يثبت الأمر بغسله من قوله صلى الله عليه و سلم في شيء من أحاديث الباب. و إنما كانت تفعله عائشة، ولا حجة في فعلها إلا إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم علم بفعلها و أقرها. على أن علمه بفعلها و تقريره لها لا يدل على المطلوب لأن غاية ما هناك أنه يجوز غسل المني من الثوب و هذا مما لا خلاف فيه بل يجوز غسل ما كان متفقا على طهارته كالطيب والتراب فكيف بما كان مستقذرا. اهـ
قلت: قد ثبت في صحيح مسلم (698) من حديث عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه ".
و ثبت من حديث أم حبيبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في الثوب الذي فيه المني.
و فعله هذا ليس فعلا مجردا كما أوهم كلام الشوكاني، و لكنه فعل لبيان أمر أُمر به و هو قوله تعالى [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ]
قال الحافظ في " الفتح " (8/ 679):
أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن سيرين قال: " اغسلها بالماء ".
و على هذا حمله ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم.
وأخرج من وجه آخر عنه قال: " فطهر من الإثم ".
ومن طريق عن قتادة والشعبي وغيرهما نحوه.
ومن وجه ثالث عن ابن عباس قال: " لا تلبسها على غدرة ولا فجرة "
ومن طريق طاوس قال: " شمر ".
ومن طريق منصور - قال وعن مجاهد مثله - قال: " أصلح عملك ".
وأخرجه سعيد بن منصور أيضا من طريق منصور عن مجاهد وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن أبي رزين مثله.
وأخرج بن المنذر من طريق الحسن قال: " خلقك فحسنه ".
وقال الشافعي رحمه الله قيل في قوله [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ]: " صل في ثياب طاهرة ".
وقيل غير ذلك. والأول أشبه انتهى
ويؤيده ما أخرج ابن المنذر في سبب نزولها من طريق يزيد (في "الفتح": - زيد - و هو خطأ) بن مرثد قال: " ألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلى جزور فنزلت ".
و يجوز أن يكون المراد جميع ذلك. اهـ كلام الحافظ
قلت: قال الجصاص في كتابه " أحكام القرآن " (5/ 369) – بعد أن حكى تلك الأقوال -: وهذا كله مجاز لا يجوز صرف الكلام إليه إلا بدلالة.اهـ
و هذا هو الصحيح؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة. و لذلك رجح الطبري قول ابن سيرين على غيره.
و تبين أيضا أن " الفرك " الوارد في حديث عائشة رضي الله عنها، قد جاء في بعض الروايات مذكورا مع الغسل، فدل على أن المراد به أحد معنيين؛
إما أن يحمل على فرك جرم المني ثم غسله.
و إما أن يحمل على اليسير اليابس الذي لا حرج فيه لصعوبة الإحتراز منه، مع التذكير بشدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التحرز منه.
و تبين أيضا إطلاق " الأذى " على المني في أحاديث كثيرة، و هي صفة تطلق غالبا على النجاسات، مع مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في الإنقاء منه.
و هذه كلها دلائل على أن المني نجس.
ثالثا:
• و أما قولهم أن المني أصل خلقة الإنسان و فيهم الأنبياء و الصالحين، فهذا من أضعف ما تعلقوا به، و جوابه من وجهين؛
الأول: قال القاضي عياض في " إكمال المعلم " (1/ 115): و أما احتجاج المخالف بأن المني أصل للخلق كالتراب، و أن منه تَخَلَّقَ الأنبياء، فلا حجة في هذا، لأن ما يخلق منه الأنبياء لا كلام لنا فيه، و إنما كلامنا في مني فاسد حصل في ثوب أو جسد يُقْطَعُ على أنه لا يخلق منه أحد.اهـ
الوجه الثاني: أن العلم الحديث كشف أن أصل خلقة الإنسان نطفة تكاد تكون معدومة، حيث أن العين المجردة لا يمكن أن تراها. و مثل هذا لا يعطى حكم النجاسة بلا خلاف.
تم بفضل الله الكريم
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[17 - 08 - 09, 10:54 ص]ـ
الهوامش
[1]- مسند الشافعي (1/ 345) رقم (1591)
[2]- المسند (6/ 135) رقم (25079) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
[3]- مسند الحميدي (1/ 97) رقم (186)
¥