وهذا من عائشة يدل: على أن المني نجسٌ، وأنه لا يجزيء فيه إلا غسله، فإنها قالت: ((إنما)) وهي من حروف الحصر، ويؤيد هذا ويوضحه قولها: ((فإن لم تر نضحت حوله)). فإن النَّضحَ إنما مشروعيتُه حيث، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا؟ - يَعنِي: فِي ثَوْبَيْك شَيْئًا -، قُلْتُ: لا. قَالَتْ: فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ.لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَابِسًا بِظُفُرِي.
... وقال القرطبي في المفهم:وذهب الشافعي وكثير من المحدثين إلى أنه طاهر؛ متمسكين بقول عائشة
وهذا لا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنها إنما ذكرت ذلك مُحتجة به على فُتياها، بأنه لا يجزيء فيه إلا الغسل فيما رؤي منه، والنضح فيما لم يُرَ، ولا تتقدر حجتها إلا بأن تكون فركته وحكته بالماء، وإلا ناقضَ دليلها فُتياها.
وثانيهما: أنها قد نصّت في الطريق الأخرى: ((أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه)). لا يقال: كان غسله إياه مبالغة في النظافة؛ لأنا نقول: الظاهر من غسله للصلاة وانتظار جفافه وخروجه إليها وفي ثوبه بُقَع الماء أن ذلك إنما كان لأجل نجاسته، وأيضًا: فان مناسبة الغسل للنجاسة أصلية؛ إذ هي المأمور بغسلها، فحمل الغسل على قصد النجاسة أولى، ألا ترى أن الشافعية استدلوا على نجاسة الكلب بالأمر بغسل الإناء منه، ولم يعرجوا على احتمال كونه للنظافة، وكذلك نقول نحن في غسل المني، ثم نقول: هب أن هذا الغسل يحتمل أن يكون للنجاسة، ويحتمل أن يكون للنظافة، وحينئذ يكون مجملاً لايستدل به لا على طهارته، ولا على نجاسته، لكنا عندنا ما يدل على نجاسته، وهو أنه يمر في ممر البول، ثم يخرج فينجس بالمرور في المحل النجس، وهذا لا جواب عنه على أصل الشافعية عند الإنصاف.
فإن قالوا: بول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسائر فضلاته طاهرٌ طيبٌ، قلنا: لم يصح عند حد علمائنا في هذا شيء، والأصل: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحد من البشر، وهو مُسَاوٍ لسائر المكلفين في الأحكام، إلا ما ثبت فيه دليل خصوصيته، سلمنا ذلك، لكن فغيره يكون منيهُ نجسًا بالمرور على ما ذكرنا، فإن قالوا: المني أصلٌ لخلق الإنسان فيكون طاهرًا كالتراب، قلبناه عليهم، فقلنا: المني أصلٌ لخلق الانسان فيكون نجسًا كالعلقة.
فإن قالوا كيف يكون نجسًا وقد خلق منه الأنبياء والأولياء؟ قلنا: وكيف يكون طاهرًا وقد خلق منه الكفرة والضلاّل والأشقياء، فبالذي ينفصلون به ننفصل.
فإن قالوا: بول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسائر فضلاته طاهرٌ طيبٌ، قلنا: لم يصح عند حد علمائنا في هذا شيء، والأصل: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحد من البشر، وهو مُسَاوٍ لسائر المكلفين في الأحكام، إلا ما ثبت فيه دليل خصوصيته، سلمنا ذلك، لكن فغيره يكون منيهُ نجسًا بالمرور على ما ذكرنا، فإن قالوا: المني أصلٌ لخلق الإنسان فيكون طاهرًا كالتراب، قلبناه عليهم، فقلنا: المني أصلٌ لخلق الانسان فيكون نجسًا كالعلقة.
فإن قالوا كيف يكون نجسًا وقد خلق منه الأنبياء والأولياء؟ قلنا: وكيف يكون طاهرًا وقد خلق منه الكفرة والضلاّل والأشقياء، فبالذي ينفصلون به ننفصل.
... ومن ابن بطال رحمه الله
فيه: عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِىِّ، - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِى ثَوْبِهِ
و فيه: عَائِشَةُ: كُنْتُ أَغْسِل الْمَنِىّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ، وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ الْمَاءِ.
وقال مرة: إن عَائِشَة كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِىَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِىِّ، - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا.
... قال ابن بطال وقال لهم أهل المقالة الأولى: لا حجة لكم فى هذه الآثار، لأنها إنما جاءت فى ثياب ينام فيها، ولم تأت فى ثياب يصلى فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها، وإنما تكون هذه الآثار حجة علينا لو كنا نقول: لا يصلح النوم فى الثوب النجس، فأما إذا كنا نبيح ذلك ونوافق ما رويتم عن النبى، - صلى الله عليه وسلم -، فيه ونقول من بعد: لا تصلح الصلاة فيها، فلم نخالف شيئًا مما روى عن النبى، - صلى الله عليه وسلم -، فى ذلك، وقد قالت عائشة: كنت أغسل المنى من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء فى ثوبه -. فكانت تغسل المنى من ثوبه الذى يصلى فيه وتفركه من ثوبه الذى لا يصلى فيه
واحتج عليهم الآخرون بما رواه حماد بن سلمة، عن حماد بن زيد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كنت أفركه من ثوب النبى، - صلى الله عليه وسلم -، ثم يصلى فيه. قالوا: فدل ذلك على طهارته.
**قال الطحاوى: ولا يدل ذلك على طهارته كما زعموا، فقد يجوز أن يفعل ذلك النبى، - صلى الله عليه وسلم -، فيتطهر بذلك الثوب.
... قال ابن بطال:والمنى فى نفسه نجس كما روى فيما أصاب النعلين من الأذى.
روى محمد بن عجلان، عن المغيرة، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه، أو بنعليه، فطهورهما التراب -.
فكان ذلك التراب يجزئ من غسلهما وليس ذلك دليل على طهارة الأذى فى نفسه، فكذلك المنى يطهر الثوب بالفرك، والمنى فى نفسه نجس.
قلت: وكل نجس يجب تطهير الثوب منه
¥