وقد قال ابن حبان رحمه الله: (
قوله صلى الله عليه وسلم: "توضأ واغسل ذكرك" أمرندب و إباحة وليس في قوله صلى الله عليه وسلم: "واغسل ذكرك" دليل على أن المني نجس لأن الأمر بغسل الذكر إنما أمر لأن المرء قلما يطأ إلا ويلاقي ذكره شيئا نجسا فإن تعرى عن هذا فلا يكاد يخلو من البول قبل الاغتسال فمن أجل ملاقاة النجاسة
للذكر أمر بغسله لا أن المني نجس لأن عائشة كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه.)
قال عبد الوهاب: (
و لا يقال إنما أمره النبي بغسل الذكر من أجل ما يصيبه من رطوبة فرج المرأة و ليس من أجل المني، فإنا نقول إنما سأله عمر عن مطلق الجنابة، و هي تعم الجماع و الإحتلام.)
جوايه: هذا من بابة جواب الحكيم فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء فيبين حكمه ويقرن به ما يتحد معه في ذلك الحكم. بل إن لفظة"من الليل" الدالة على ابتداء الغايةيفهم منها ان الجنابة جنابة من جماع، ويؤيد هذا اللفظ الآخر لرواية هذا الحديث ففيه"أينام أحدنا وهو جتب؟ "
قال عبد الوهاب: (و قد كان عمر رضي الله عنه يعاني من كثرة الإحتلام؛ ففي الموطأ (111) عن زييد بن الصلت أنه قال:
«خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم، و صلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا احتلمت و ما شعرت، و صليت و ما اغتسلت! قال: فاغتسل و غسل ما رأى في ثوبه، و نضح ما لم ير، و أذن أو أقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا»
و في رواية محمد بن الحسن (2/ 50) قوله: «و لقد سلط علي الإحتلام منذ وليت أمر الناس».)
جوابه: إنما حمله على إيراد هذه الفذلكة التأكيد على ان الجنابة المسؤول عنها هي جنابة احتلام، وليس يسلم له ذلك، لأن عمر إنما كان يسأل من أجل ابنه عبد الله كما هو مفسر في رواية عند النسائي.
قال عبد الوهاب: (و لم يكن أمره مقتصرا على أصحابه فحسب، بل كان هو كذلك يفعل ما يأمرهم به و يواظب عليه. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام و هو جنب غسل فرجه و توضأ للصلاة».
رواه البخاري (284) و مسلم (305)
و عند أحمد (26045): عن أبى سلمة قال:
«سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب؟ قالت: نعم و لكنه كان لا ينام حتى يغسل فرجه و يتوضأ وضوءه للصلاة».
و ليس أدل من هذا على نجاسة المني.)
جوابه: لا يسلم له أن غسله صلى الله عليه وسلم ذلك منه لنجاسة المني بل يقال إنما غسله من باب التطيب والتطهر مما يستقذر وإن لم يكن نجسا في نفسه,
على أن من العلماء من ذكر في خصائصه عليه الصلاة والسلام طهارة فضلاته كلها وحينها يسقط استدلاله رأسا.
قال عبد الوهاب: (و عن زيد بن خالد الجهنى أخبر أنه سأل عثمان بن عفان قال:
قلت: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن؟ قال عثمان «يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره». قال عثمان رضي الله عنه: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم
رواه البخاري (288) و مسلم (807)
و مثله عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال:
«يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ و يصلي».
البخاري (289) و مسلم (805) و لفظه:
قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل؟ فقال:
«يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ و يصلى».
و قوله: " يغسل ... " خبر بمعنى الأمر و هو أبلغ عند العلماء من الأمر المجرد، و هذا مثل قوله تعالى (و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) أي المطلقات مأمورات بالإنتظار ثلاثة قروء قبل زواجهن.
و وجه الدلالة من الحديثين السابقين قوله: " يغسل ما أصابه .. " و من المعلوم أن (ما) الموصولة من أدوات العموم، فدل على نجاسة ما يخرج من فرج المرأة في تلك الحال، و هو إما أن يكون مذيا أو منيا.
جوابه: لفظ "يغسل ما اصابه من المرأة ... "ليس في صحيح البخاري، واللفظ المشهور عند الشيخين هو "يغسل ذكره" و"يغسل ما مس المرأة منه" وحينئذ فيكون الدليل أخص من الدعوى، أرأيت لو أن رجلا أولج ثم أخرج ولم ينزل منه ولا منها شيء ولا علق منها بذلك منه شيئ أترى أنه لا يغسل ذكره؟
قال عبد الوهاب: هذا فيما يتعلق بأمره بالقول.
¥