تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وجب العدول عنه إلى ما سن لنا وهدينا له وفيما ذكر هذا القائل من الضيق والتنازع والاضطراب ما لا يليق أن يتعلق به أولو الألباب وهو مذهب تركه العلماء قديماً وحديثاً للأحاديث الثابتة عن النبي عليه السلام "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، ولم يتعلق به أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه والله أعلم، ولو صح ما وجب اتباعه عليه لشذوذه ولمخالفة الحجة ... ).

وأما قول الفقهاء الآخرين فهو قول محدث إذ إن كلهم وجدوا بعد المائة الثالثة فهل ينقض إجماع الصحابة والتابعين بمثل هذا القول الحادث.

وأين حرمة الإجماع؟

إن قول هؤلاء القلة المعدودة من الفقهاء رده أحق من الاستناد إليه ثم هل قول أحد من الناس حجة تعارض به الشريعة الثابتة ومما يوضح لطالب الحق أن جنوح هؤلاء المعاصرين لهذا القول إنما هو ناشئ عن عوى مستحكم أو خطأ بيّن أن بينهم وبين المجيزين للاعتماد على الحساب من السابقين فرقاً كبيراً جداً وهو أن السابقين أجازوا الاعتماد على الحساب في حالة الغيم فقط أما في حالة الصحو فلم يجيزوا الاعتماد على الحساب وهذا ما دعا شيخ الإسلام رحمه الله أن يصف القول بالاعتماد على الحساب مطلقاً في الصحو والغيم بأنه لم يقله مسلم لكن قد يفهم من كلام من تأخر عن شيخ الإسلام القول به خاصة في رد شهادة الشهود إذا منع الحساب وجود الهلال.

فالحاصل أن اعتماد الحساب مطلقاً لم يقل به أحد من الفقهاء المعتبرين لكن أصحاب الاعتماد على الحساب في هذا العصر يقولون باعتماده مطلقاً أي في الصحو والغيم.

وليس لهم سلف في هذا فجمعوا بين مشكلتين علميتين:

الأولى: خرقوا إجماع الأمة كلها.

الثانية: قالوا بقول ليس لهم فيه إمام وقد حرم أهل العلم على المفتي أن يحدث قولاً ليس له فيه إمام كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

الشبهة الثانية: حاول أصحاب القول باعتماد الحساب أن يجعلوا من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكت ولا نحسب ... " علة لتعليق دخول الشهر بالرؤية.

ولهم في ذلك كلام طويل مذوق حاصله أن قوله عليه الصلاة والسلام: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" حكم خاص بالمخاطبين في زمانه عليه الصلاة والسلام أو من هو مثل حالهم وأين المخصص؟

قلوا هو ما ذكره في صدر الحديث من قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" فمفهومه أن الأمة إذا كتبت وحسبت جاز لها أن تعمل بالحساب فالعلة في تعليق الحكم على الرؤية هي الأمية فإذا انتفت الأمية انتفى الحكم وجاز لنا العمل بالحساب والأمة الآن أمة متعلمة ليست أمة أمية فيجوز لها العمل بالحساب هذا حاصل كلامهم وهي الشبهة التي انطلت على من اغتر بهذا القول وصادفت رواجاً لدى السوق الثقافية لموافقتها لتيار تغريب الأمة بحجة التلاقي مع العلم والعقلنة المعاصرة وقد يظهر بادي الرأي أنها حجة قوية لكن ينبغي على طلاب العلم والحق التأمل فيها وعرضها على أصول الاستدلال الصحيحة وعند ذلك سيتبين بجلاء أنها وأمثالها من أخطر الشبه على الفقه الإسلامي وأنها السبيل لتحريف الشريعة وتحويرها لتناسب الرغبات والأهواء لكن قبل الشروع في رد هذه الشبهة وقلع أصولها أنبّه على أمر وهو أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" ظاهر في أنه هو الحكمة في تعليق دخول الشهر بالرؤية لكن لا يستفاد من ذلك تخصيص الحكم بهذه الحالة وإنما مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين للأمة أن الشرع هو تعليق الصيام بالرؤية لأنها في مقدور العالم والجاهل والحاضر والبادي ونفى تعليقه بالحساب لأن الأمة لا تكتب ولا تحسب فرفع الله عنها الحرج كما في قوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: من الآية78)، وسهل لها أمر صيامها بأن علقه على الرؤية السهلة الميسورة، فهذه هي الحكمة من هذه الطريقة الشرعية وهذا هو المعنى المراد، وقد نص على ذلك كل شراح الحديث وكتبهم متوفرة لمن أراد الاطلاع، وقد تتابع العلماء خلفاً بعد سلف على تقرير هذا المعنى، فلما أتى بعض الناس بفلسفته السابقة رددنا عليه من أوجه.

الأول: أن التوجيه للحديث بهذه الطريقة مخالف لشرح أئمة الإسلام واتباع طريقة السلف اعلم واحكم وأسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير