تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: أن توجيههم السابق يلزم منه عدة محاذير منها:

الأول: تجهيل السلف إذ لم يقل أحد منهم بهذا التوجيه.

الثاني: مخالفة إجماع الأمة لأن الأمة قد أجمعت على بطلان العمل بالحساب كما تقدم بيانه ويلزم من التوجيه السابق جواز العمل بالحساب إذا تعلمت الأمة وهذا خلاف الإجماع لأن إجماع الأمة لم يفرق بين حالة جهل الأمة بالحساب وحالة تعلمها وأنتم فرقتم فصار شرحكم للحديث مخالفاً لإجماع الأمة وما خالف الإجماع فهو باطل فشرحكم إذن باطل.

الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته ... " وقوله: "لا تصوموا حتى تروه" نص واضح صحيح محكم وفي أن الأمر معلق على الرؤية بدون شرط ولا قيد وما قلتموه غايته أن يكون محتملاً وتقديم المحتمل على المحكم خلق في الاستدلال وسبب لاتباع الأهواء؛ فلماذا يعدل عن النص الصريح ويتلمس دلالة خفية لم يتفطن لها أحد من علماء السلف الصالح.

الرابع: إن في التوجيه السابق أي كون الحديث مقيداً بالأمية تغيير للشريعة بإضافة قيد على حكم من أحكامها الثابتة قطعاً وهذا القيد أملته عقول بعض الناس استناداً إلى تأويل للنص حقيقته أن يسمى تحريفاً لأنه لا دليل عليه ومن المعلوم قطعاً أن الشريعة لا تغير إلا بالنسخ والنسخ لا يكون إلا بالوحي، والوحي خاص بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد انقطع بموته فمن أين لهم هذا القيد؟!

إن وظيفة العالم هي تبليغ الشريعة وأن يتبع لا أن يغير ويبتدع.

الخامس: إن في توجيههم السابق مصير منهم بأن الشيء يعلل بالحكمة والمقرر في أصول الفقه أن الحكمة لا يعلل بها لأنها غير منضبطة فكذلك هنا العلم بالحساب غير منضبط لأنه قد يوجد وقد لا يوجد.

وقد يكثر وقد يندر وقد يكون الحاسب دقيقاً حاذقاً وقد يكون بضد ذلك وقد يكون عدلاً وقد يكون كاذباً وقد يصيب وقد يخطئ فلما كان أمر الحساب بهذه المثابة امتنع التعليل به.

ومن مقاصد الشريعة العظيمة الكاملة ضبط الناس في ضبط أمور دينهم ولذلك علقت أحكامها على أشياء ثابتة لا تتغير كالسفر جعل علة في الرخصة ولم تجعل المشقة هي العلة لأنه لا يمكن ضبطها فلا يقال لشخص من الناس ترخص أنت في سفرك لأن السفر يتعبك وأنت لا تترخص لأن السفر لا يتعبك ولو جاءت الشريعة بهذا لاختل نظامها ولصعب العمل بها وكذلك هل يريدون أن يقولوا للناس البلد الذي يعرف أهله الحساب يعملون بالحساب والبلد ذو الأمية يعملون بالرؤية والزمان الذي ينتشر فيها الحساب يعمل فيه بالحساب والزمان الذي تنتشر فيه الأمية يعمل فيه بالرؤية.

وأي حساب يعمل به هل يمكن ضبطه وتحريره؟

ومن العجيب أن هؤلاء القائلين بالحساب يرددون أنهم يقولون بذلك لكي تتوحد الأمة! فأي تفريق للأمة أكثر من هذا التفريق.

السادس: أن توجيهكم الذي رددناه مراراً فيه إقرار منكم بأن الأمية مذمومة دائماً ولذلك طوعت لكم نفوسكم جواز ترك العمل بالرؤية واعتماد الحساب بناءً على أن الرؤية مناسبة لحالة الأمية وأن الحساب مناسب لحالة التعلم؛ فالمعادلة عندكم هي: رؤية تناسب أو تساوي أمية، وحساب يناسب أو يساوي علماً، فنقول: سبحان الله ما مستندكم في ذلك؟ قالوا: إن الإسلام رغب في العلم وحث الناس على التعلم والقراءة والكتابة ... إلخ. قلنا: هذا دليل عاطفي لا برهان علمي ولسنا في صدد بيان حكم التعلم والقراءة والكتابة حتى تقولوا هذا وإنما نحن في مسألة خاصة وهي الأمية في عدم استعمال الحساب في إدخال الشهر هل هي ممدوحة أو مذمومة؟

نريد جواباً لهذه المسألة بعينها؟ وهم لم يتعرضوا لهذا لكننا نشهد الله ورسوله والمؤمنين أننا نرى أن الأمية هنا صفة مدح لا ذم فيها البتة ويدل على ذلك البرهان العقلي أيضاً، وهو أن التعلم إنما مدح لأنه وسيلة إلى العلم وتنوير العقل لا أنه مدح لذاته ولذلك صارت الأمية وصفاً شريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه يتلقى علومه عن الحق تعالى بدون واسطة قراءة أو كتابة فهكذا نحن المسلمين المتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم في هذه القضية نحصل على المقصود بدون تطويل ولا عناء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير