أ- أن موضع الخلاف غير موضع الإجماع، ولا يجوز الاحتجاج بالإجماع في غير موضعه، كما لو وقع الخلاف في مسألة لا يجوز الاحتجاج فيها بالإجماع المنعقد في مسألة أخرى.
ب- أن حقيقة الإجماع غير موجودة في موضع الخلاف، وما كان حجة لا يصح الاحتجاج به في الموضع الذي لا يوجد فيه، كألفاظ صاحب الشرع إذا تناولت موضعا خاصا لم يجز الاحتجاج بها في غير الموضع الذي تناولته.
ج- أنه ليس لمستصحب حال الإجماع في موضع الخلاف دليل من جهة العقل ولا من جهة الشرع، وبناء عليه فلا يجوز له إثبات الحكم به،
كما لو لم يتقدم موضع الخلاف إجماع.
[التبصرة للشيرازي (527)، إحكام الفصول للباجي (949/ 1)]
3 - نقل ابن السبكي عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنه قال في الإمام داود بن علي الظاهري: " وكان القاضي يعني أبا الطيب يقول: داود لا يقول بالقياس الصحيح، وهنا يقول بقياس فاسد؛ لأنه يحمل حالة الخلاف على حالة الإجماع من غير علة جامعة ".
[انظر: الإبهاج لابن السبكي (182/ 3)].
قال أبوعبدالله -عفي عن تقصيره-: و هذا استدراك موفق من أصولي محقق رحم الله الجميع.
وقد ذهب الحنفية إلى أنه يجوز إتيان الحائض إذا انقطع دمها ولو لم تغتسل، إذا كان هذا الانقطاع بعد أكثر الحيض (عشرة أيام)، أما إذا كان انقطاع الدم لأقل من ذلك، فلا تحل له حتى تغتسل، أو يمضي وقت صلاة كاملة.
[انظر: المبسوط للسرخسي (16/ 2)].
واستدلوا على ذلك بهذه الآية، ومأخذ الحكم من الآية من قوله: " ولا تقربوهن حتى يطهرن ".
قالوا: قد ورد في هذه الآية قراءتان،
الأولى: بالتخفيف " حتى يَطهُرن "، وهي قراءة نافع، وأبي عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص عنه.
والثانية: بالتشديد " حتى يطّهّرن "، وهي قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل.
والقاعدة في الأصول: [أن القراءتين كالآيتين في استنباط الأحكام]،
قالوا: والطهر في قراءة التخفيف بمعنى انقطاع الدم، وفي قراءة التشديد بمعنى الاغتسال، فتحمل قراءة التخفيف على ما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، فمد الله -عز وجل-التحريم إلى غاية وهي انقطاع الدم، والقاعدة في الأصول: [أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم]، وبناء على ذلك فيجوز إتيانها بعد انقطاع الدم ولو لم تغتسل.
وتحمل قراءة التشديد على ما إذا انقطع دمها لأقل من ذلك، فمد الله -عز وجل-التحريم إلى غاية وهي الاغتسال، والقاعدة في الأصول: [أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم]، وبناء على ذلك فلا يجوز إتيانها بعد انقطاع الدم إلا إذا اغتسلت،
ووجه التفريق بين الصورتين: أن في الصورة الثانية لا يؤمن عود الدم مرة أخرى.
وأجيب عنه من وجوه:
1 - أن القاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن مفهوم المخالفة الغائي ليس بحجة في إثبات الأحكام].
(القول بعدم حجيته مذهب أكثر الحنفية، انظر: أصول السرخسي (238/ 1)).
ونوقش: بأن ما بعد الغاية يبقى على الأصل، وهو -هنا- حل إتيان الرجل لامرأته،
والقاعدة في الأصول-على الصحيح-: [أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام].
2 - أن هذا الاستدلال متضمن للتأويل (تخصيص العموم)، والقاعدة في الأصول: [يجب حمل الألفاظ على ظاهرها ولا يجوز تأويلها إلا بدليل]، ولا دليل!، أو بعبارة أخرى القاعدة في الأصول: [يجب العمل بالعام على عمومه ما لم يرد دليل بالتخصيص]، ولا دليل!.
(العموم في قوله: تقربوهن: فضمير الجمع هن يرجع إلى عام، وهو لفظ النساء، والقاعدة في الأصول: [أن ضمير الجمع إذا عاد إلى عام أفاد العموم]).
3 - أن هذا الاستدلال متضمن لحمل اللفظ على حقيقته ومجازه، وذلك أن قوله تعالى: "فإذا تطهرن " حمل على حقيقته -أي: الاغتسال- إذا نقطع الدم لأقل من عشرة أيام، وحمل على مجازه -أي: انقطاع الدم- إذا انقطع الدم لعشرة أيام فأكثر،
والقاعدة في الأصول: [أنه لا يجوز حمل اللفظ على حقيقته ومجازه في آنٍ واحد].
انظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي -رحمه الله- (139/ 1).
4 - لا يسلم بأن قراءة التخفيف محمولة على انقطاع الدم، بل هي لغةٌ في معنى قراءة التشديد (غسل جميع الجسد، أو غسل الفرج)،
ويكون هذا من باب الجمع بين اللغتين في آية واحدة، كما قال تعالى: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ".
ونوقش:
¥