تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكل ما يضر بالنفس من فعل أو ترك فإن الشريعة منعت منه، جلباً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، وتحقيقاً لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولهذا منعته من الكفر والإلحاد، وارتكاب المنكرات والمعاصي، التي تضر بدينه، ومنعته من الإضرار ببدنه أو عقله أو عرضه أو نسله أو ماله، فنفسه وعقله ونسله وعرضه وماله ليست ملكاً له، بل هي أمانة عنده يجب أن يتقي الله تعالى فيها، ويجتهد في المحافظة عليها، وتجنيبها كل ما يتلفها أو يضر بها، كما قال ربنا سبحانه:} وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {[النساء:29، 30]، وقال:} وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين {[البقرة:195]، والآيات والأحاديث في تحريم المعاصي بأنواعها وبيان شؤمها وآثارها السيئة على الدين والنفس والعقل والنسل والمال كثيرة جداً.

كما أنها شرعت له من الاعتقادات والعبادات والآداب والسلوكيات ما لابد منه في صلاح القلب، وتزكية النفس، وإشباع حاجة الروح، وجعلت من هذه التشريعات ما هو واجب يستحق العقاب تاركه والمتهاون فيه، وهو الحد الأدنى لتحقيق مصلحة الإنسان وإسعاده، وجعلت منها ما هو مستحب مندوب إليه، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهو ميدان فسيح للمسابقة إلى الخيرات، والمنافسة في مجال الباقيات الصالحات.

ولهذا حرم الله كل ما يضر بالمصالح الخمس الكبرى التي هي جماع حقوق الإنسان، والتي أجمعت الشرائع السماوية والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها وحماية جنابها، لقد حرم الله كل ما يضر بها أو ببعضها ولو كان ذلك الضرر مقصوراً على صاحبه ولا يتعداه إلى غيره، فلئن كانت القوانين الوضعية أو أكثرها تكرس الإلحاد والعلمانية، وتجيز التعاطي مع السحرة والكهنة والمشعوذين وإتيانهم وتصديقهم، والاغترار بادعاءاتهم وخرافاتهم، وتبيح للإنسان أن يتلاعب بخلقته، ويغير جنسه، أو يقتل نفسه ويلقي بها في التهلكة، أو يشرب الخمر، أو يتعاطى المخدرات، أو يفعل الزنا والشذوذ الجنسي، أو يتعامل بالربا والميسر والقمار، أو يقع في الإسراف والتبذير وإضاعة المال، كل ذلك بحجة الحرية الشخصية، وأن ذلك ليس فيه إضرار بالآخرين، فإن الشريعة الإسلامية تمنع ذلك كله وأمثاله مما فيه ضرر على الإنسان، وإن كان هذا الضرر مقصوراً على نفسه، ولا يتعداه إلى غيره، أو وقع بالتراضي بينه وبين غيره، فليس للمسلم أن يرضى لنفسه ولا لغيره إلا شيئاً أذن الله تعالى له به، لأن ما نهى الله عنه عباده ولم يرضه لهم هو عين الضرر والفساد، وإن رغبته نفوسهم، ودعت إليه شهواتهم. (20)

سادساً: أن حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية منحها الله لخلقه، فهي ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمنُّ بها عليه ويسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق شرعية وضرورات دينية أوجبها الله على عباده وكفلها لكل واحد منهم، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو جنسه أو لغته أو دينه.

.... يتبع

ـ[موقع الملتقى الفقهي]ــــــــ[19 - 12 - 10, 04:47 م]ـ

وقد تكاثرت النصوص الشرعية في التحذير من ظلم الناس وانتهاك حقوقهم، وتعظيم حرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وبيان شؤم ظلمهم وإيذائهم، وبخسهم أشياءهم، والحث الشديد على احترامهم ولين الجانب معهم، ومعاملتهم بالحسنى، ومعاشرتهم بالمعروف، وإنصافهم والعدل بينهم، وحفظ مصالحهم والقيام بحقوقهم، ومشروعية الإحسان إليهم والبر بهم، كما تضمنت أن حسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة، وأن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده، وأحب الأعمال لديه الإحسان إلى خلقه، بتفريج كرباتهم، وسد خلاتهم، وقضاء حاجاتهم، وإدخال السرور عليهم، والتأكيد على أن أكمل المؤمنين إيمانًا، وأحسنهم إسلامًا، وأرفعهم مقامًا، وأتقاهم لله تعالى، وأحبهم إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة، أحاسنهم أخلاقًا، كما ثبت ذلك في أحاديث كثيرة مشهورة، (21) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" وفي رواية "مكارم الأخلاق" (22)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير